المعركة الاصلية وارتداداتها
الحياة الجديدة/ يحيى رباح
وسط فوضى الموت والدمار وفوضى الضجيج الاعلامي المتناقض, يفرح الانسان عندما يسمع احدا ما زال يحتفظ بهدوء نسبي وبرودة اعصاب ورجاحة عقل, وهذا ما وجدته في حديث صديقي العزيز المهندس علي ابو شهلا على شاشة تلفزيون فلسطين مساء الاثنين, وكان الحديث يدور عن عملية اعمار غزة, ومؤتمر المانحين الذي سيعقد في القاهرة في اوائل الشهر المقبل ان استقرت التهدئة, ووحدة المعلومات العلمية الموثقة عن حجم وانواع الاضرار الهائلة التي لحقت بقطاع غزة والتي تفوق خمسة اضعاف ما حدث في عدوان 2008-2009, وما هو العاجل والمتوسط والأجل في اعادة الاعمار, وكيفية ترتيب الاولويات !! خاصة ان اسرائيل التي سببت كل هذا الدمار تلوح ولو من بعيد لمؤتمر اقليمي للاعمار وليس مؤتمرا دوليا, وهي على كل حال طرف رئيسي بالموضوع, وكل دولار من تكاليف الاعمار سيذهب نصفه الى جيبها !! فكيف نتصرف بحكمة في كل ذلك, وكيف نلزمها الا تدمر ثانية ما بنيناه بالدم والعرق والدموع؟
والحقيقة ان ما يجري الان على صعيد مساعدات الاغاثة التي تصل من شعبنا ومن اشقائنا واصدقائنا الى قطاع غزة لا تعطي انطباعات ناجحة, واذكر بان الاخ وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب استطاع ان يكسر حاجز الصمت وان يشير الى الموضوع ويسلط حزمة ضوء شجاعة في حديثه الى الاعلام قبل يومين, كما ان عددا كبيرا من كوادر فتح المقصيين بعنف عن المتابعة يشكون مر الشكوى لانهم يرون على الارض عكس كل ما يقال, واللواء زكريا بعلوشة ربما لم ينجح حتى الآن في تسجيل بيته الذي دمر نهائيا في عزبة عبد ربه لان القائمين على التسجيل يطلبون منه التسجيل في مكان آخر !! بل لقد بدأ البعض من ابناء قطاع غزة ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي صور بعض المواد والسلع التي انتقلت مباشرة من قوافل الاغاثة الى رفوف «السوبر ماركتات» عادت ريما لعادتها القديمة, ولا حول ولا قوة الا بالله، ومن يجرؤ على الكلام كما قال عضو الكونجرس الاميركي بول فندلي عندما كان الموضوع يتعلق باشكال الانحياز الاميركي لاسرائيل.
موضوعنا يختلف, ولكنه مثير للألم والتساؤلات، ويبدو ان حكومة الوفاق الوطني ساعدها الله ليس في يدها شيء تفعله على الارض في قطاع غزة, وان الوفد الموحد لا يكون موحدا الا داخل مبنى المخابرات وقت الاجتماع ليس الا.
المعركة تزداد تعقيدا, وفي معركة من هذا النوع يجب ان نستند الى الاصل, ونسأل انفسنا بصدق وشجاعة, لماذا قامت هذه الحرب ولماذا فجرت اسرائيل هذا العدوان؟
اذكر ان الوضع في قطاع غزة قبل هذه الحرب كان مستمرا تحت سقف التهدئة في 2012, فلماذا قامت الحرب ولماذا وقع العدوان, كما اننا كنا فلسطينيا وعلى امتداد شهور طويلة في مفاوضات مع اسرائيل, وطرحت في تلك المفاوضات كافة العناوين دون شطب اي عنوان لا القدس ولا اللاجئين, ونفذت اسرائيل عمليا الافراج عن ثلاث دفعات من مجموع اربع دفعات لاسرى ما قبل اوسلو, فلماذا تم افشال المفاوضات اسرائيليا, ولماذا وقع هذا العدوان التدميري الهائل الذي يقول عنه مفوض الاونروا انه اذا لم تستقر التهدئة فقد يستغرق تاثير العدوان خمسة عشر عاما.
والجواب الذي يعرفه جميع الاسرائيليين والفلسطينيين ومفردات المجتمع الدولي ان هذا العدوان وقع كاعتراض بالنيران الكثيفة على خط السير الفلسطيني, وخط السير كان يقود الى انهاء الاحتلال, وكانت المصالحة في الاتجاه نفسه, وجاء العدوان بالنيران الكثيفة لقطع خط السير هذا واعادة بعثرة ما تجمع في الاناء, واعادتنا الى نقطة الصفر.
وكرد طبيعي ومنطقي وصادق على ذلك :فإن القرار الفلسطيني يجب ان يتركز ويتمحور حول اعادة الامور الى نصابها, الى خط السير الذي استهدفته اسرائيل اي الى انهاء الاحتلال وهو القضية الرئيسية, وعدم التشتت الى اية ردات اهتزازية اخرى وعدم الوقوع في حفر المساومات الجديدة المجتزئة.
حين يكون لنا دولة فحتما سيكون لنا ميناء وسيكون لنا اتفاقيات مع موانئ اخرى, وسوف يكون لنا اكثر من مطار واتفاقيات مع مطارات اخرى, وسيكون لنا ممر امن بترتيبات اعلى مستوى من اي اتفاق جزئي مع اسرائيل اذا بقيت محتلة لارضنا !!.
نحن مثل اي شعب نواصل الاشتباك على كافة الاصعدة لنيل حقوقنا وانجاز استقلالنا الوطني, وعلينا ان لا نكتفي بتحديد ماذا يجب ان نكسب, وانما بتحديد ماذا يجب ان لا نخسر, وهذا السؤال يحدد مدى كفاءتنا في ادارة معاركنا, والذي يجب ان لا نخسره هو وحدتنا والاستمرار في تعزيزها بالحفاظ على شرعيتنا ووحدة الموقف والحفاظ على المكتسبات التي نصل اليها تباعا ولا يجوز تحت اي مزايدة او غرور او اغراءات اقليمية ان نعود الى نقطة الصفر من جديد.