في العلاقة بين داعش ويهودية دولة إسرائيل
الحياة الجديدة/ احمد عز الدين اسعد
قبل البدء بتوضيح تداعيات ظهور داعش كدولة إسلامية على تعزيز فكرة يهودية الدولة الاسرائيلية، وقبول هذه الفكرة على المستوى الاقليمي والدولي، وهي الفكرة التي تروج لها الحكومة اليمينية الإسرائيلية منذ عقود، وازداد هذا الترويج في العقد الأخير من هذا القرن لانضاجها وكانت داعش لعبة استخباراتية إسرائيلية أميركية لتحقيق حلم الدولة اليهودية إلى جانب جملة من الأهداف الأخرى.
لا بد من توضيح معنى الدولة والدولة الدينية والدولة العلمانية، لوضع الأمور في نصابها عند التحليل والتفحص، تعرف الدولة في علم الاجتماع بأنها الجهة الوحيدة المخولة باحتكار شرعية العنف، أما في علم السياسة فالدولة هي الشعب الذي يسكن على بقعة جغرافية لها حدود وللشعب سيادة على تلك الأرض، أي أن علم السياسة يربط مفهوم الدولة بالسيادة، أما علم الاجتماع فيربط مفهوم الدولة بالعنف. أما بالنسبة للدولة الدينية فهي التي تحتكم إلى فكر لاهوتي غيبي في إدارة شؤونها وشؤون السكان الواقعين تحت سيادتها وفي ظلال حرابها، في مقابل الدولة العلمانية التي تحتكم لفكر وقانون تعاقدي توافقي جوهره مبدأ المواطنة والمساواة والعدل بين جميع السكان.
يكمن خطر الدولة الدينية على باقي فئات الشعب من الأقليات الدينية والعرقية كون الدولة الإسلامية ونموذجها هنا داعش، قد فرضت الجزية على المسيحيين العراقيين، وحاربت مسلمين آخرين تحت بند الردة والكفر منهم السنة ومنهم الشيعة، أي أن الدولة الدينية أياً كان دينها تقوم على فكر الإقصاء واللامساواة وعدم العدل والتكفير المطلق، ويسودها مبدأ التفوق وتكمن فيها نزعات السيطرة والهيمنة والتطهير الثقافي والديني والسياسي والفكري والعرقي، ويكون مبدأها الأساسي التكفير الديني والوطني والسياسي (التكفير المطلق) لتحقيق جغرافيا دينية تسيطر عليها وفق تعريف علم السياسة للدولة من خلال العنف المرتبط بالتعريف الاجتماعي للدولة، من أجل تحقيق سيادة عنيفة على سكانها المنتمين لنفس جنس دين الدولة الدينية الحاكمة، أن كل دولة دينية حاربت وستحارب دائما الأقليات الدينية والعرقية والاثنية الاخرى لإخراجها من حدود دولتها الدينية، وهذا ما حدث في صربيا وما يحدث في العراق من قبل داعش، وقد يحدث هذا للفلسطينيين داخل إسرائيل على اختلاف دينهم الإسلامي والمسيحي إذا تحقق حلم الدولة اليهودية التي ستضيف إلى جانب فكرة الاستعمار المطلق فكرة التكفير المطلق والتطهير المطلق لغير اليهود.
إن قيام دولة يهودية يعني أن هذه الجغرافيا اليهودية التي تسيطر عليها الدولة اليهودية هي أرض لليهود وحدهم، والمسألة في الحالة الفلسطينية معقدة كون هذه الدولة دولة استعمارية استيطانية استشراقية حبكت رواية تاريخية واستعمارية ودينية من أجل استعمار فلسطين، فإنها ستعمل بكل طاقاتها لتدمير المجتمع العربي في فلسطين المستعمرة عام 1948 وقد يمتد الأمر لإخراج الفلسطينيين الساكنين في القدس من أجل تطهير الدولة اليهودية من الأغيار أو "الغوييم" وفق التسمية اليهودية لغير اليهود، وهذا الفكر الإقصائي متوفر في الأدبيات اليهودية ولدى العصبة الدينية اليهودية التي تهيمن على الدولة والمجتمع الاسرائيلي، ومن غير المستبعد على إسرائيل في حال تحولها إلى دولة يهودية أن ترتكب جرائم تطهير مادي ومعنوي لفلسطينيي الداخل لاقامة دولة يهودية، فإسرائيل ارتكبت كماً كبيراً من المجازر في عام 1948 واستمرت في مجازرها وعمليات التطهير العرقي والديني، وجريمة اغتيال الطفل محمد أبو خضير وحرقه حيا، والعدوان الأخير على غزة هو دلالات واضحة للعقلية العدوانية اللاهوتية لإسرائيل قبل تحولها إلى دولة دينية، وان تحول إسرائيل إلى دولة يهودية "دينية" سيزيد من حدة إجرامها وتسلطها واستعماريتها. ان عملية تفريخ داعش ورسم استراتيجيتها وتصميم نموذجها التكفيري لهو مساهمة خطيرة من أجل تحقيق فكرة يهودية دولة إسرائيل.
ah