حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية...بين الموضوعية والاندفاع العاطفي!
كاتب: د.عقل أبو قرع
وكالة معاً
بعد فورة كبيرة وزخم لم يتم مثلة في الماضي، وبعد حشد اعلامي وتغطية واجتماعات ومؤتمرات صحفية هنا وهناك، يبدو ان حدة حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية قد بدأت تتراجع او قد بدأت تخف وتيرتها او بدأت تفقد البريق الذي رافقها، والحديث هنا عن المنتجات الاسرائيلية، التي مصدر انتاجها داخل " الخط الاخضر"، وليست تلك التي يتم انتاجها في المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، اي في الاراضي التي تم الاستيلاء عليها عن طريق القوة والاحتلال، حسب الاعتراف الدولي بحدود فلسطين كدولة غير عضو في الامم المتحدة، اي حدود عام 1967.
ويبدو ان رد الفعل السريع والعاطفي، نتيجة العدوان على قطاع غزة وما رافقة من دمار وتدمير ومنها تدمير الزراعة والصناعة وبالتالي المنتج الوطني، وما نتج عنه من الالاف من الشهداء والجرحى، رد الفعل هذا هو الذي تمثل في البدء وبشكل غير علمي او موضوعي في عملية مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، ويبدو ان ذلك قد تم بدون برنامج واضح يشمل البدائل والحوافز، ويشمل الفوائد والسلبيات، ويشمل خطة استراتيجية تتعامل مع العقبات التي كان من المتوقع ان تعترض حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، سواء اكانت عقبات انية او مشاكل بعيدة المدى؟
ويبدو كذلك ان القطاعات الاساسية التي مشاركتها مطلوبة بل ضرورية لنجاح حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، لم تكن جميعها في الصورة، او في المشاركة او في العنوان، او لم تكن متواجدة بالزخم المطلوب، او حتى لم تكن مقتنعة بامكانية نجاح او استمرارية نجاح هذه الحملات، ومن هذه القطاعات، القطاع الخاص الفلسطيني، بكافة امتدادتة، الذي يستورد ويوزع ويبيع المنتجات الاسرائيلية، سواء اكانت منتجات غذائية او ادوية او مواد بناء وانشاءات او حتى فيما يتعلق بالخدمات والتكنولوجيا وما الى ذلك، والقطاع الخاص الفلسطيني هو كذلك الذي يعول علية بأن ينتج او بأن يستطيع ان يوفر البدائل وبالجودة وبالامان اللازمين، في حال اختفاء المنتجات الاسرائيلية من الاسواق الفلسطينية؟
ومن ضمن القطاعات الاخرى التي هي حيوية لنجاح حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية هي الجهات الرسمية الفلسطينية التي تساند او تدعم قرار مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، ومن ثم توفر لة الغطاء السياسي والقانوني والعملياتي، تلك الجهات التي تراقب وتفتش وتوفر الالية اللازمة للمتابعة، وتلك الجهات التي تمنح التراخيص وتراقب المعابر وتتأكد من الالتزام بالمواصفات والشروط، والاهم تلك الجهات التي تستطيع التعامل مع قرار المقاطعة من خلال الاطار السياسي العام الذي من الممكن ان يقيدها، اي اطار اتفاق اوسلو وتبعاتة.
وهناك كذلك المواطن او المستهلك الفلسطيني، الذي ورغم حماستة واندفاعة العاطفي مع هذه الحملات الذي يأتي في ظل الاندفاع العام لما يتم في قطاع غزة، الا ان اقتناعة او اقناعة بتوفر او وجود البديل الوطني او المحلي او العربي، وبالجودة وبالامان الذي اعتاد علية من المنتج الاسرائيلي هو كذلك مهم بل حيوي لمواصلة او لاستمرارية هذه الحملات، وكذلك مهم لبث الوعي والرسالة داخل العائلة الفلسطينية لاهمية ديموية هذه المقاطعة وبأن تصبح جزء من حياتها اليومية.
ومن ضمن الامور التي حدت وسوف تحد من نجاح حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، هو تبعثر جهود الجمعيات والمؤسسات الاهلية او تلك التي تتبع المجتمع المدني بأمتدادتة وبأطرة، وحتى في بعض الاحيان التزاحم من اجل المنافسة او اخذ زمام الصدارة، ومن خلال الاعلام او من خلال الاجتماعات او المؤتمرات، وبدون برنامج موضوعي او توزيع علمي منهجي للادوار او حتى بدون وجود خطة استراتيجية بعيدة المدى؟
ولكي تكون عملية مقاطعة المنتجات الاسرائيلية مستدامة او متواصلة، وليست مؤقتة وفقط تدخل في باب رد الفعل العاطفي الاني على ما حدث في قطاع غزة، كان من المفترض ان يتم دراسة امكانية توفير الظروف والوسائل والحوافز والبدائل، التي من الممكن ان تجعل من هذه الحملة او عملية المقاطعة بحد ذاتها، عملية متواصلة او دائمة او كجزء من منهج حياة المواطن والمستهلك والتاجر والمورد وصاحب القرار الرسمي الفلسطيني، وليست فقط رد فعل تنتهي مع انتهاء او تضاؤل زخم مسبباتها، اي مع انتهاء او تلاشي العدوان على غزة وعلى بنيتة التحتية وعلى اهالي غزة؟
ومعروف اننا نحتاج الى المنتجات الاسرائيلية والى غيرها من منتجات الدول الاخرى، ولذلك نستوردها، ونحتاجها اما اننا لا نملك البديل المحلي او المنتج الوطني لها، او ان المستهلك الفلسطيني وبالتالي التاجر او المستورد او الموزع الفلسطيني يقوم باحضارها الى السوق الفلسطينية، لان المستهلك الفلسطيني يفضلها، وربما رغم فارق السعر على المنتج المحلي، وهذه نقاط مهمة كان من المفترض اخذها بعين الاعتبار حين تمت الدعوة او تم البدء بتطبيق حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، والاهم حين يتم التخطيط لجعل هذه الحملات دائمة ومتواصلة ومستمرة؟
ورغم ان حملات مقاطعة المنتجات الاسرائيلية قد بدأت واخذت زخما قويا، الا ان تحديد السلبيات او العقبات او الظروف التي حدت وقد تحد من مواصلتها هو اكثر اهمية من البدء بها، ، وهذة الحملات من الواجب ان لا تكون مربوطة بحدث معين كالعدوان الحالي على قطاع غزة، وبأن يكون اطارها العام هو المصلحة الفلسطينية، سوء اكانت مصلحة سياسية او اقتصادية او حتى اخلاقية، ولكي تستمر هذه الحملات، ولكي يكون لها اثار بعيدة المدى على اسرائيل او على الاقتصاد الاسرائيلي، فأنها يجب ان تتم على اسس علمية وفي ظل تخطيط مدروس، وفي ظل تنسيق موضوعي، وفي ظل مشاركة الجهات الاساسية، وبأن يتم اخذ توفير البدائل والحوافز والفوائد بعين الاعتبار؟