جموح نتنياهو وضعف أوباما
الحياة الجديدة/عدلي صادق
رفعت الإدارة الأميركية وتيرة اعتراضها اللفظي على التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، فقابلها نتنياهو بتصعيد انتقادي يعيب عليها تنكرها لما سمّاه "القيم" الأميركية. هو يختزل تاريخ الأميركي الأبيض، في الولايات المتحدة، وما تخلله من أعمال إبادة للسكان الأصليين، باعتباره قيمة ينبغي احترامها والثبات عليها. أما الأميركيون الذين يرون في حربهم على "داعش" تحدياً مصيرياً، فإنهم يعتبرون عطاءات البناء الإسرائيلية للتوسع الاستيطاني، أمراً محرجاً لهم في وقت يحتاجون فيه الى التضامن الإقليمي العربي والإسلامي ضد "داعش". وما زاد الطين بلة، أن الإعلان عن عطاءات بناء، يكون أثناء زيارات مسؤولين أميركيين الى إسرائيل، أو أثناء استقبال الرئيس أوباما لنتنياهو.
يتفاقم الآن غضب أوباما المكظوم، من نتنياهو. فقد باتت سياسات هذا الأخير تستفزه، لأنها تركز على الاستيطان لخلق وقائع أخرى على الأرض، لتكريس انسداد عملية التسوية، بينما الأوروبيون يلاحقون الاستيطان اقتصادياً وسياسياً ويزمعون ملاحقته قانونياً. فقد استثمرت القارة الأوروبية أموالاً طائلة لتحقيق حل الدولتين، ويرى الأوروبيون في أروقتهم دون الإفراط في التصريحات أن سياسات نتنياهو توجه طعنة نجلاء لمساعي التسوية ولاستقرار الإقليم القريب من شواطئها. ثم إن منطق الدولة اليهودية الدينية التي يريدها نتنياهو أبدية، تستحث منطقاً مضاداً تمثله مشروعات الدولة الإسلامية هنا وهناك، وهذا ما يتطير منه الأميركيون والأوروبيون.
لكن السؤال: متى تيأس إدارة أوباما من نتنياهو وحكومته؟! وإن يئست هذه الإدارة، فهل يكون بمقدورها اتخاذ خطوة تليق بدورها التي ترجو استمراره كـ "زعيمة للعالم؟.
إن أفضل ما تفعله الإدارة الأميركية لنفسها وللمنطقة ولإسرائيل نفسها، هو ألا تقف حجر عثرة في وجه الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. إن فعلت ذلك، تعطي ثقلاً لسياستها وتُعيد الاعتبار للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة، وتعجّل في حل الدولتين أو توفر مناخاً يساعد على الحل، ويجعل إسرائيل، كلما اقترفت خروقات في المناطق المحتلة؛ في حال صدام مع العالم كله دون استثناء، وهذا هو الذي يعجل في غياب نتنياهو وحكومته عن المشهد، وارتياح أوباما من رجل يتصرف كمواطن أميركي ويتدخل في الشؤون الأميركية ويناصر مرشحاً رئاسياً ضد آخر، ويستفز الإدارة في كل ما يفعل.
قبل أيام، التقى نتنياهو في نيويورك، صديقه الملياردير اليهودي شيلدون أديلسون، الذي يعد عدواً لدوداً للحزب الديموقراطي، الذي يحصد الأموال من نوادي القمار التي يمتلكها، ثم يذهب بالمال الى إسرائيل، فيحاول شراء الصحف، ويؤسس جريدة متطرفة تُوزَع مجاناً لكي تروّج للتطرف الديني اليهودي والصهيوني، علماً بأن الشريعة اليهودية لا تسمح بنوادي القمار. فقبل لقاء الغداء، بين نتنياهو وأديلسون، انتشرت الشرطة وسدت شوارع نيويورك، في تظاهرة مفتعلة أغاظت أوباما.
ربما يصح القول، طالما أن نتنياهو يدس أنفه في السياسة الداخلية الأميركية، ويتصرف كمواطن أميركي، يكون من المفترض أن تشتمل المواقف المضادة من الحزب الديموقراطي، منهجية نقدية وإجرائية علنية ضد حكومة نتنياهو والمتطرفين في إسرائيل. لكن الرئيس أوباما يتصرف حتى الآن من موقف ضعف، ما يعني احباط فاعلية السياسة الأميركية في العالم.