يمنع التنفس حتى إشعارٍ آخر!
الحياة الجديدة- د صبري صيدم
مشهد موسيقيٍ غنائيٍ جميل تخلل مهرجان الإنجاز بالأمس والذي ينظم كل عام كجزءٍ حيوي من فعاليات إحياء ذكرى الشهيد أبو عمار تضّمن استحضاراً لصوت مجنزرات الاحتلال التي جابت المدن الفلسطينية لعقود طويلة لتفرض عبر مكبرات الصوت منعاً للتجول بعبارة: يمنع التجول حتى إشعارٍ آخر حيث استبدلت هذه العبارة في المشهد المذكور بعبارة: يمنع التنفس حتى إشعارٍ آخر!
عبارة أثارت شجون الكثيرين خاصة في ظل الإجراءات الاحتلالية المتصاعدة والتي وصلت إلى ذروتها بإعلان إمبراطور "تل أبيب" بالأمس بأن من يحتج على احتلاله عليه أن يذهب للعيش في فلسطين! وأي فلسطين؟
فلسطين التي قبلت منظمة التحرير الفلسطينية أن تتفاوض على 22٪ من مساحتها التاريخية مقابل السلام فردت إسرائيل ببناء المستوطنات وجدار الضم العنصري وحواجز الموت ومصادرة الأراضي وتهويد القدس وحصار غزة والدفع بمئات الآلاف من اليهود إلى إسرائيل وتوسيع دائرة التنكيل والاعتقال والقتل واستصدار المزيد من القوانين العنصرية وشن ثلاث حروب فتاكة ولّدت مجازر لا تحصى!
واليوم لا يشبع نهم إسرائيل الحديث عن حدود الرابع من حزيران ومبادرة السلام العربية وتبادل الأراضي وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
بل يضاف إلى تعسفها كله استصدار مهم لجملة قرارات وممارسات عنصرية حاقدة كمنع الآذان في المساجد العربية والحكم عشرين عاما بالسجن على من يلقي الحجارة والزجاجات الحارقة وإغلاق المسجد الأقصى والسعي لتقسيمه زمانياً ومكانياً وقتل الناس دون محاكمة سواء على أسطح منزلهم في البلدة القديمة من مدينة القدس حتى لا تلتقط كاميرات المراقبة المزروعة في كل الشوارع بشاعة جريمة القتل، أو في عرض الشارع في فلسطين التاريخية.
الاحتلال فعلياً لا يريد للفلسطيني أن يتنفس فإن هو احتج فهذا تحريض، وإن هو طالب برحيل المستوطنين فهو معادٍ للسامية، وإن هو اشتكى من إغلاق الأقصى فهو معادٍ لحرية الأديان، وإن انتفض فهو إرهابي من الدرجة الأولى، وإن تمسك بدينه وإيمانه فهو متطرف.
إذا المطلوب أن يقبل الفلسطيني بالتنازل عن القدس وعودة اللاجئين وحدود الرابع من حزيران والمستوطنات والجدار وحل الدولتين، يقبل فعلياً بكل هذا بل وينحني "احتراماً" للمحتل. إذا بالفعل المطلوب هو حظر تنفس الفلسطيني حتى إشعارٍ آخر!
أما المطلوب فلسطينياً فلم يعد بالنسبة لنا أن تقبل إسرائيل بمطالبنا فهي دولة محتلة وسارقة ومارقة لن تستطيع الحفاظ على احتلالها مدى الحياة، بل المطلوب هو أن يتجاوز العالم مطامع إسرائيل ويحبس الأنفاس بعد أن يصلّب عوده ويمتنع عن التنفس لخدمة شعب ممنوع من التنفس لعقود طوال ويصوت لصالح فلسطين في مجلس الأمن قريباً.
لقد آن الأوان للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة ذات سيادة مقابل سحب الاعتراف بالمحتل الذي لم يبقَ حجة إلا وامتطاها وسيناريو إلا ونفذه بحثاً عن استدامة احتلاله.
لنقول اليوم بصراحة إن من يريد أن يخرج العالم من حبسه لأنفاسه عليه أن يقطع أنفاس المحتل.. فالعين بالعين والسن بالسن وكتم الأنفاس بكتم الأنفاس وإلا لانقطع نفس الفلسطينيين وصولاً إلى الموت!