خيط الدم والدموع .. استغاثة اليرموك الأخيرة ..!
صحيفة الأيام - أكرم عطا الله
كما نهايات كل الأعوام نتفقد جراحنا ونحصي شهداءنا ومصابينا وخسائر معاركنا التي لا تنتهي إلا وتترك أجسادنا ممهورة بالدم، نحتضن ألمنا .. نقبله .. ونودعه بانتظار ما يخبئ لنا القدر من عذابات.. واضح أنها سيرة الفلسطيني الطويل داخل البيت وخارجه كأننا لقطاء التاريخ الذي يلاحقنا كأن له حساباً طويلاً معنا.
يلاحقنا الوجع في كل مكان من الضفة للقدس ثم لغزة وبعدها للبحر الذي يلتهم جثث أبنائنا وهذه المرة يتجدد في اليرموك حيث المأساة التي لم نتوقع جميعاً حين تحول المخيم الأكثر استقراراً للفلسطيني إلى المجزرة واللجوء الجديد والحكايات التي لا تنتهي من قصص الموت، فكم تعبنا حيث نموت ونرحل وندفن ونؤبن في مسلسل الحزن الذي لا ينتهي وكأن النهايات تشبه البدايات في بؤسنا.
هذه المرة في اليرموك وأنا أتحضر لكتابة مقالي فاجأني ذلك الصديق العالق هناك بحوار استغاثة يشرح المأساة التي أنقلها على لسانه كما هي دون تغيير بعد أن قال: "راح أحكي اسمعني للآخر" وبدأ قائلاً: اليرموك ذبح بين معارضة ونظام وحركة الاغتيالات مكثفة بالشباب الناشطين الفلسطينيين في المخيم وهم عالقون بين نظام من جهة ونصرة وداعش من جهة ثانية وقد بقي في المخيم حاليا أكثر من عشرين ألف مدني فلسطيني منهم بين ثلاثين إلى خمسين ناشطاً مدنياً بمؤسسات إغاثية وهؤلاء هم الذين تجري عملية تصفيتهم واحداً تلو الآخر وقد عملنا أكثر من محاولة لنجد طريقة لإخراجهم من اليرموك وفشلت كل المحاولات والآن ربع الساعة الأخيرة.
أكمل قائلاً: الشباب يحاولون إرسال رسالة للرئيس أبو مازن مع قناعتهم أن بإمكانه المساعدة لو تحرك .. موضوع اللاجئين حالياً بعيد جداً وليس حتى ملف على الطاولة، وكتب: بس فيك تساعد، أن تسلط الضوء على المأساة وقال: لا أعرف كيف يصبح الموضوع رأي عام في الوقت أن الفلسطيني بالداخل لديه مليون هم وهم، هي ليست سوى محاولة بالوقت الأخير لكن إذا الرئيس قرر يشتغل على القصة بإمكانه حلها.
سألته وكيف يمكن أن يخرجهم أبو مازن قال: تسوية مع الحكومة السورية إبعاد مثلاً، فالسوريون لديهم مصالحات بكل المناطق لكن في اليرموك يجعلونها صعبة قلت له: لماذا لا تستعينوا بفصائل اليسار أو الجهاد مثلاً فعلاقتهم بالنظام جيدة قال: اليسار بلا تأثير والجهاد عاجز حتى عن إخراج أهم كوادره هنا، سألته: وكيف سينجح أبو مازن؟ قال لثلاثة أسباب هي:
أولاً: الرئيس ليس ممثل فصيل فهو ممثل كل الفلسطينيين بالنسبة لسورية.
ثانياً: علاقة الرئيس بالروس جيدة وبإمكانه التحدث معهم أيضاً.
ثالثاً: إن الرئيس قدم خدمات لسورية وساهم بإطلاق سراح أسرى السوريين الذين كانوا معتقلين لدى المعارضة.
ثم استدرك قائلاً: المؤلم أن أغلب المسؤولين الفلسطينيين الذين لديهم أقرباء في سورية من هؤلاء الناشطين ساعدوهم واتصلوا بالنظام ثم أنهى قائلاً: المشكلة أن من بين الناشطين هنا شباناً معارضين للنظام السوري، والمشكلة الأكبر أن النظام يعتبر أن كل من عمل في الإغاثة في مناطق المعارضة كان يساعد المعارضة أي أن كل من عمل بالإغاثة هو مستهدف.
انتهى الحوار ولكن الحظ السيئ لم ينته بل ينتقل بين مدننا ومخيماتنا وقرانا، ملقياً بما يحمله من خيبات ومصائب على رؤوسنا، فلم نعد نحتمل أن ندفع ثمن كل هذه الخلافات والاختلافات والتعارضات والتناقضات في منطقة يشكل فيها عقل كل مواطن ومسؤول لغماً قابلاً للانفجار ومستوى الوعي فيها عبارة عن برميل بارود قابل للاشتعال ومخزون هائل من الإقصاء ورفض الآخر والكراهية، في منطقة يطغى على ثقافتها القتل الدائم والقتال الدائم إلى يوم الدين ولم نعد نحتمل أن ننزف دما إلى يوم الدين.
هناك فصائل مغامرة لعبت في دمنا المسفوك في اليرموك وقدمته وجبة للمتحاربين هناك حين حشرت أنفها في الصراع السوري وكان تدخلها هو الفتوى التي أجازت ذبحنا فنحن قضية لا تحتمل الخلاف مع أحد بل ان مصلحتها تجنيد كل الأطراف إلى جانب القضية وكل الجيوش العربية وكل الأحزاب والقوى والمنظمات على اختلافها وتعددها مع إدراك الدور الذي لعبته سورية واحتضانها لشعبنا منذ اللجوء الأول ووقوفها إلى جانب قضيته لكن لم يكن مطلوباً أن يتدخل المغامرون إلى درجة معارضة للنظام والعمل ضده فهذا تجاوز للخطوط الحمراء وللثوابت الفلسطينية.
لكن الرئيس وحده من استطاع أن يسير على خيط رفيع في الأزمة السورية دون أن يسقط ويسقطنا معه، وحده يستطيع إخراج أولادنا الذين يستغيثون في الوقت الضائع فهو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ومسؤول عن كل الفلسطينيين أينما كانوا وبغض النظر عن انتمائهم، فلا يعقل أن يتدخل مسؤولون يعملون تحت إمرته لإنقاذ أقربائهم ويُترك الآخرون، بل ينبغي إيجاد حل جماعي لن يتمكن من إيجاده سوى رأس النظام الفلسطيني ولا ينبغي أن نبقى متفرجين على تصفية أحد أبنائنا وننتظر الباقي على الدور، الأمر لا يحتمل كما فهمنا وكما يصرخ الشباب هناك ومن الممكن أن يتم إنفاذهم، هذه رسالة من اليرموك الأمل أن تكون وصلت والأمل أكبر ألا يموتوا ونحن نلعب دور المتفرج في وقت يمكن أن نوفر موتاً آخر في مكان آخر لمعارك أخرى ... معارك الضرورة الوطنية وليس معارك العبث ..!
Atallah.akram@hotmail.com