وقاحة أميركية...
الحياة الجديدة- عمر حلمي الغول
لم تفاجىء الولايات المتحدة الاميركية طفلا فلسطينيا او عربيا بمواقفها المتتالية المعادية لمصالح واهداف الشعب العربي الفلسطيني. غير ان تساوقها المبتذل مع سياسات دولة التطهير العرقي الاسرائيلية تجاه انضمام دولة فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية، واعلان الناطقة باسم الخارجية، جين بساكي، بأن فلسطين «غير مؤهلة للانضمام..» لها؛ ثم لجوء السيناتور راند بول لتقديم مشروع قانون في مجلس الشيوخ، يدعو فيه، الى «قطع المساعدات الاميركية المقدمة للسلطة الوطنية على الفور، وذلك حتى يسحب الفلسطينيون طلب الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية..» فيه وقاحة اميركية، وفيه سقوط مريع لسياسة الادارة الاوبامية في وحول الدفاع عن دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية وجرائم حربها على الشعب الفلسطيني.
وبالتوقف عند جادة السؤال، يثار العديد من الاسئلة، ليس حول التحالف الاستراتيجي بين اميركا واسرائيل؛ ولا حول الدعم المتصاعد لدولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية؛ ولا حول الكيل بمكيالين في مسألة الصراع العربي (الفلسطيني) الاسرائيلي؛ فهذه من ثوابت السياسة الاميركية. لكن المثار من الاسئلة يتجه لبعد آخر، متى برأي بساكي وخارجيتها يمكن للشعب الفلسطيني، ان يكون مؤهلا للانضمام للمعاهدات والمنظمات الدولية ومحكمة الجنايات الدولية؟ الى متى يمكن للفلسطينيين البقاء أسرى للسياسة الاميركية؟ والى ماذا تريد ان تصل الادارات الاميركية المتعاقبة؟ واين ستأخذ الشعب الفلسطيني وقيادته؟ وما هو المطلوب من الفلسطينيين، حتى يكونوا مؤهلين؟ هل المطلوب منهم، ان ينتظروا المزيد من المجازر والمذابح الاسرائيلية؟ او بتعبير آخر، هل هم مؤهلون للمذابح فقط؟ ام المطلوب منهم انتظار خيار الترانسفير الاسرائيلي والتصفية النهائية لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؟ ألا تعلم بساكي ووزيرها كيري ورئيسها، ان الشعب الفلسطيني، رغم كل المصائب والجرائم ووحشية الاحتلال والانقلاب، هو من الشعوب الاعلى تعليما؛ وكفاءاته العلمية والفنية ساهمت ببناء العديد من الدول الشقيقة والصديقة؟ ماذا ينقص الفلسطينيين حتى ينضموا للمحكمة؟ أليس لهم الحق بالدفاع عن مصالحهم واهدافهم الوطنية ام مطلوب منهم البقاء تحت رحمة اميركا وربيبتها دولة الجريمة المنظمة والاحتلال الابشع؟
واما الاسئلة الموجهة للسيد راند بول، اتعتقد ان الاربعمائة مليون دولار، التي تدفعها ادارتك، تدفعها لسواد عيون الفلسطينيين ام حماية لمصالحها؟ أوليست الاموال جزءا يسيرا وتافها من الارباح الهائلة، التي تحققها المصالح الاميركية في المنطقة؟ وكيف يمكن الجمع بين موقف الادارة، التي اعترضت على قرار حكومة نتنياهو بعدم تحويل اموال المقاصة الفلسطينية وبين توجه السيناتور بول لمجلس الشيوخ، ودعوته لقطع المساعدات المالية وفورا؟ على الاقل تريث قليلا قبل الاقدام على الخطوة الكريهة؟ وهل يعتقد عضو مجلس الشيوخ، انه بمشروع قانونه يخدم مصالح اميركا واسرائيل ام العكس؟ وايا حكمة اميركية هذه، التي تفضحها سياساتها المجنونة المتساوقة والمتطابقة مع حكومة اقصى اليمين الاسرائيلي، المعادية لكل خيارات السلام اي كان عنوانها؟ ألم تسمع اركان الادارة الاميركية ومؤسساتها التشريعية رئيس حكومة اسرائيل الخميس الماضي، وهو يعلن على الملأ في حملته الانتخابية، وهو يقول: لن انسحب من مستعمرات الضفة الفلسطينية، ولن اقبل بخيار حل الدولتين على حدود الـ1967، لانه خيار غير واقعي؟ ام سمعتم وشربتم نخب دونيته وفجوره السياسي، لانه يتوافق مع سياساتكم التخريبية في العالم كله؟
على الادارة الاميركية، القوة الاعظم في الحقبة التاريخية الراهنة، اعادة النظر في سياساتها، والتفكير بمسؤولية تجاه مصالحها الحيوية في المنطقة بما في ذلك وجود اسرائيل نفسها. وبالتالي تغيير سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني ومصالحه الاستراتيجية، والا فان التاريخ لن يرحمها، ولن يشفع لقادتها من مختلف الادارات، الذين تخلوا عن دور اميركا في رعاية السلام الحقيقي في المنطقة، ولم يمنحوا الشعب الفلسطيني الحد الادنى من حقوقه الوطنية.