التاريخ : السبت 03-06-2023

الاحتلال يخطر بالاستيلاء على أرض ووقف العمل بمنشأة زراعية في المغير    |     منصور يطالب المجتمع الدولي بوضع حد لإفلات الاحتلال من العقاب    |     الاحتلال يعتقل شابا من يعبد ويقتحم قرى في محافظة جنين    |     اجتماع في الأمم المتحدة لجمع التبرعات للأونروا    |     فلسطين ترفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي لدى المكسيك إلى سفارة    |     "هيئة الأسرى" تحذر من سياسة الاحتلال بالاغتيال التدريجي للأسير المحرر محمد زهران    |     انتهاكات الاحتلال: إصابات واعتقالات وإخطارات واعتداءات واسعة للمستوطنين طالت القبور واقتحام الأقصى    |     برعاية السفير دبور: رابطة اطباء الاسنان تكرم نائب رئيس جامعة بيروت العربية البروفسور عصام عثمان    |     الرئيس يستقبل رئيس مجلس الاتحاد الألماني    |     الاحتلال يواصل احتجاز جثامين 12 أسيرا من شهداء الحركة الأسيرة    |     "الخارجية" تطالب اليونسكو بتحمل مسؤولياتها لوقف تنفيذ قوانين الكنيست العنصرية    |     "الكنيست" تصادق على قانونين للتضييق على المدارس والمعلمين في القدس    |     الاحتلال يعتقل 38 مواطنا من الضفة غالبيتهم من بيت لحم    |     إصابة شاب برصاص الاحتلال عند حاجز مخيم شعفاط    |     عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى    |     بحرية الاحتلال تهاجم مراكب الصيادين شمال قطاع غزة    |     الفرا: هناك توجه لدى شخصيات أوروبية لرفع قضايا لسحب جنسية دول الاتحاد من المستوطنين    |     "مقاومة الجدار": 492 اعتداءً نفذها الاحتلال ومستوطنوه خلال أيار    |     بيروت: لقاء اعلامي تضامني في الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد شيرين ابو عاقلة    |     إصابات بالاختناق جراء استهداف الاحتلال طلبة مدرسة في حوارة جنوب نابلس    |     مستوطنون يحطمون مركبات المواطنين قرب موقع مستوطنة "حومش" المخلاة جنوب جنين    |     الخارجية تدعو مجلس الأمن إلى زيارة الأرض المحتلة لمشاهدة معاناة شعبنا جراء الاحتلال    |     عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى    |     إصابات بالمطاط والاختناق وأخذ قياسات منزلين خلال اقتحام الاحتلال نابلس
أراء » طفولة ياسر عرفات
طفولة ياسر عرفات

طفولة ياسر عرفات

رام الله 9-11-2015 

خالد جمعة

حين يولد الكائن البشري، يكون مجرد شخص يضاف إلى الملايين التي ولدت قبله، ومع الوقت، يكبر، وربما يصبح شخصيةً ذا شأن، فيبدأ التاريخ بالاهتمام به، ولكن، هل تكون حياة العظماء وهم أطفال، مثل حياة أي طفل عادي؟ أم أن هناك بوادر تظهر سماتها على الشخصية منذ الطفولة؟ وكي ندعم الحقيقة بالسؤال، هل كان ياسر عرفات طفلاً ذات يوم كباقي الأطفال؟.

في الرابع والعشرين من آب عام 1929 ولد الطفل 'محمد عبد الرحمن' عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، الذي سيعرف لاحقاً بياسر عرفات، أو بأبي عمار، الذي سيقود منظمة التحرير الفلسطينية لعقود، وسيكون أول رئيس منتخب كذلك، لكن، كيف عاش هذا الطفل، وكيف كان سلوكه في المدرسة وفي الشارع ومع المحيط الذي عاش فيه؟.

والده كان تاجر أقمشة من غزة، وكان عرفات هو الولد السادس لأسرة مكونة من سبعة أفراد، ولد هو وأخوه الأصغر فتحي في القاهرة، وأمه مقدسية هي زهوة أبو السعود، ماتت بسبب قصور كلوي وهو في الرابعة، وكانت هذه أولى الصدمات التي يتلقاها عرفات في حياته وهو في هذه السن المبكرة، إذ وجد نفسه مسؤولاً عن أخيه الصغير فتحي، الذي انتقل معه إلى القدس ليعيش مع خاله سالم أبو السعود لمدة أربعة أعوام، وفي عام 1937 حين كان عرفات في الثامنة، تزوج والده بامرأة ثانية، فأخذه هو وأخته أنعام للعيش في القاهرة.

بسبب تعلمه في القاهرة، اكتسب اللهجة المصرية التي لم تفارقه طوال حياته، وتقول أخته: كان يشارك في كل المظاهرات، وكنت دائماً أجري وراءه لأعيده إلى البيت، وكنت أمنع عنه مصروف الجيب أحياناً، لكنه لم يكن يرتدع ويستمر في نشاطه.

ويروي أخوه فتحي عن نفسه أنه لم يكن يأكل اللحم وهو طفل، وأرادت أنعام من عرفات أن يقنع فتحي بأكل اللحم، فما كان من عرفات إلا أن قال لفتحي: 'الناس في الدنيا نوعين، أسود، وخرفان، والأسود تأكل اللحم، والخرفان تأكل الخضار، أنا شخصياً أريد أن أكون أسداً، أما أنت، فإذا عايز تكون خروف، فخليك من غير ما تأكل لحمة'، وبالطبع اقتنع فتحي بهذا المنطق، رغم أن عرفات كان طفلا لم يتجاوز الثانية عشرة، إلا أن منطق الإقناع الخاص به كان مغروساً فيه منذ الطفولة.

أقام أول جنازة عسكرية في حياته لِقِطِّه 'مشمش' حين مات، وترأس الجنازة بنفسه، بعد أن شارك فيها الجيش الذي كوّنه، وكانت الرتب في هذا الجيش تحددها عدد أغطية 'الكازوز' المعلقة على الكتف مثل النياشين، وكان يقوم بنفسه بعملية الترقية للجنود في هذا الجيش، فالشخصية القيادية إذَن لم تهبط على ياسر عرفات من السماء، بل كانت تميزه منذ طفولته.

عرفات كان ماهراً في كل ما يتعلق بالأعمال التي تتعلق بالصيانة في المنزل، فقد كان يملك صندوقاً للعدة، ويصلح بواسطته 'الحنفيات'، ويقوم بتسليك المجاري وإصلاح أسلاك الكهرباء المعطلة، كان يرتب ملابسه وملابس أخيه فتحي بنفسه، ويعد الإفطار للعائلة في أيام الإجازات، كل مواهبه تلك، كانت تقول إن هذا الولد سيكون له شأن ذات يوم.

ياسر عرفات لم يصبح قائداً من فراغ، بل كان مؤسَّساً ليكون كذلك، تلك الشخصية التي عاشت ظروفاً سيئة في طفولتها، أشبعت نهمها للمعرفة بالقراءة، ونهمها للنضال بالمشاركة في المظاهرات بل وقيادتها في أحيان كثيرة، وظهرت أولى بوادر القيادة الحقيقية عليه حين بدأ بإلقاء الخطابات التي يكتبها بنفسه في المظاهرات التي يشارك فيها.

ربما يكون من الضروري أن نسلط الضوء قليلاً على حياة ياسر عرفات في مرحلة الطفولة، لنكتشف من أين أتت هذه القدرة المذهلة على قيادة شعب تحت الاحتلال، شعب تتداخل مئات المعطيات في قضيته التي تزداد تعقيداً كل يوم، فلا يمكن لرجل أن يصبح ما أصبح عليه أبو عمار إلا إذا كانت لديه الموهبة القيادية منذ الطفولة.

لذلك أصبح عرفات ما صار عليه لاحقاً، فكل شجرة كانت ذات يوم بذرة ونبتة صغيرة، إلا أن بعض هذه الأشجار تموت في منتصف الطريق وتتحول إلى حطب للمواقد، أما تلك الغرسة التي ستطول فروعها السحاب، فهي التي تملك المواصفات التي ستوصلها ذات يوم إلى هناك، وياسر عرفات كان واحداً من تلك الأشجار التي غرست جذورها عميقاً، وما زالت فروعها تتمدد صاعدةً إلى يومنا هذا.
2015-11-10
اطبع ارسل