قضيتنا أولا والفصائلية أصبحت عقبة في طريقها
جريدة القدس
حديث القدس 24-2-2012
منذ أن سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة عام ٢٠٠٧، وهو تطور يعتبر بحد ذاته مظهرا للانقسام ونتيجة مبكرة من نتائجه، لم يعد لحركتي "فتح" و "حماس" من شاغل سوى ملف "إنهاء الانقسام"، والمصالحة الوطنية. وقد مضى على هذا الوضع الذي يسيء للفلسطينيين وقضيتهم ما يقارب خمس سنوات. وخلال هذه الفترة الطويلة ظلت قضية المصالحة تدور حول نفسها، ولا تتحرك خطوة نحو الأمام إلا لتعود خطوتين نحو الوراء، دون أن يفهم الشعب الفلسطيني السبب في هذا التراجع، أو على الأصح، دون أن يكشف المسؤولون، هنا وهناك، عن الأسباب الحقيقية لهذا الجمود الطويل في ملف المصالحة.
ولا نريد أن نشكك في أي اتفاق بين الفصيلين الكبيرين، خصوصا ما يعرف باتفاق الدوحة وما تحقق فيه من لتقدم، وفقا للحركتين. لكننا لا نسعى في الوقت نفسه للإغراق في التفاؤل، خصوصا وأن تجارب الاتفاقات السابقة كانت حصيلتها نوعا من السراب من ناحية، كما أن رد فعل حركة حماس، أو قطاعات لا يستهان بها من الحركة، من الناحية الأخرى، لم تكن مشجعة. وقد استند هؤلاء إلى فذلكات "دستورية"، أو إلى توجهات تكتيكية وربما استراتيجية- والإشارة هنا هي للقيادي الحمساوي محمود الزهار، الذي له ثقله الكبير في حركة "حماس".
ما يمكن قوله الآن هنا، وباختصار، هو أننا واقعون تحت احتلال يمكن وصفه بالإحلالي، وبالتالي فنحن لا نملك ترف الفصائلية الحزبية. وفي حالات تاريخية مثل الحالة الفلسطينية، كانت كل الفصائل يدا واحدة وقلبا واحدا من أجل التخلص من الاحتلال، ولم يصل الاختلاف بأي منها حد تقسيم الوطن، أو ما تبقى منه إلى قسمين، تسيطر فيه إحدى الحركتين على جزء من "بقايا" الوطن، وتسيطر الأخرى على الجزء الثاني، وتضيع طاسة الوطن والقضية بين هاتين الحركتين.
ومع تحول الحركتين إلى التوجه المسالم، أو المهادن، من أجل المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، كما تقول "حماس"، وتحريك المشروع الوطني الفلسطيني، وفقا لحركة "فتح"، لم يعد هناك في الواقع من خلاف استراتيجي بين الحركتين، بل إنهما نوعا ما أقرب إلى التماهي شبه المتطابق. والسؤال هو :ما الذي يمنع، والحالة هذه التوصل إلى اتفاق كامل على المصالحة، ووضع حد للإنقسام؟.
ومن الملاحظ أن حركة حماس لم تتوقف عن الاعتراض على بنود معينة في كل اتفاقات المصالحة السابقة، ومنها مثلا اعتراضها على تكليف سلام فياض برئاسة الحكومة، وهو الاعتراض الذي لم يعد واردا، بعد ما بشبه الاتفاق على حكومة برئاسة أبو مازن. وهذا التوافق على رئاسة أبو مازن أصبح محور أخذ ورد في حركة حماس.
الشعب الفلسطيني يريد وضع حد هذه الاعتراضات التي ليس لها مبرر وأن تسفر اجتماعات القاهرة عن توافق حول كل البنود المختلف عليها بين الجانبين.
والحقيقة التي لا مجال لإنكارها هو أن كلا من الحركتين حققت مزايا ومكاسب سياسية، وربما شخصية، من وراء الانقسام، بحيث تجد من الصعب عليها التنازل عن هكذا مكاسب من أجل وحدة الوطن والشعب. ومن هنا فإن التحرك من خلال الفصائلية الحزبية قد ألحق أفدح الأضرار بقضية شعبنا، وهو ما يدركه الفلسطينيون جيدا، وهذا قد يكون السبب في عدم الاكتراث إلى حد كبير بملف المصالحة، وما قد يتطور إليه هذا الملف. لأن إزالة آثار الانقسام تتطلب تضحيات كبيرة، وتنازلات أكبر، ونفسيات مستعدة لوضع المصلحة العليا للشعب والقضية أولا، وقبل أي اعتبار آخر.
وإذا كان محور الربيع العربي هو الحرية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية، فإن محور أي ربيع فلسطيني، إن حدث، سيكون وحدة الوطن. وعلى أساس هذا المحور ستكون المساءلة في وقت قد لا يكون بعيدا.