قراءة في خطاب الرئيس أبو مازن
حظي خطاب الرئيس محمود عباس امام الجمعية العامة للامم المتحدة باهتمام وترقب كبيرين لعوامل عدة منها:
- توقيت ومكان إلقاء الخطاب السياسي
- الترقب الإقليمي والدولي للموقف الفلسطيني إثر الضغوط التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية من اميركا بهدف الإذعان لصفقة القرن
- امكانية التغيير في الاستراتيجية الفلسطينية لإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني في ظل اختلال ميزان القوى لصالح دولة الاحتلال والعدوان
بناء على ما تقدم يمكن لنا تحليل الخطاب السياسي بما تضمنه من محطات وقواعد ومتطلبات تعكس الإستراتيجية الفلسطينية للمرحلة القادمة بشمولية من حيث:
أولا: الحفاظ على الثوابت الوطنية الفلسطينية
ثانيا: دور الأمم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين
ثالثا: التنصل الأميركي "والإسرائيلي" من تنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة
رابعا: محاربة العنف والإرهاب
خامسا: السلام والمستقبل
أولا: الثوابت الفلسطينية:
استهل الرئيس أبو مازن كلمته بمبدأ يجمع عليه كافة أبناء الشعب الفلسطيني [ حقوق الشعب الفلسطيني ليست للمساومة] ملخصا بذلك جوهر الموقف الفلسطيني الرافض لكافة اشكال المؤامرات والضغوطات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وقيادته ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
كما أكد الرئيس في كلمته على الثوابت الوطنية ومنها:
- إنهاء الاحتلال الإسرائيلي العنصري واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بوسائل سلمية أي احترام ميثاق الأمم المتحدة.
- القدس عاصمة الدولة الفلسطينية والرفض القاطع للالتفاف على ذلك عبر طرح مصطلح في القدس.
- التسلح بإرادة لا تلين بطلب والوصول للحرية والاستقلال ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الاحتلال منذ 51 عاما أي منذ عدوان حزيران 1967.
- الالتزام بقرارات وتوصيات المجلس الوطني الفلسطيني كونه السلطة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها.
- رفض أي حلول مؤقتة أو العودة بالقضية الفلسطينية من بعدها السياسي إلى بعد إنساني.
- السلام في منطقتنا لن يتحقق من دون تجسيد استقلال دولة فلسطين بعاصمتها القدس التي احتلت عام 1967 أي أن قضية فلسطين ستبقى القضية المركزية للعالم العربي والإسلامي والديمقراطي.
- قضية اللاجئين الفلسطينيين كانت وستبقى تمثل أساس وجوهر الصراع وحلها فقط عبر تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وهذا يعني استمرار وجود وعمل وكالة الغوث التي أسست بقرار دولي إلى حين تنفيذ ذلك.
- اعتماد القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن منذ عام 1947 وعلى رأسها القرار 181 كمرجعية لتحقيق السلام.
ثانيا : دور الأمم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين:
تهدف الأمم المتحدة إلى صون وكفالة السلم والأمن الدوليين وحل النزاعات وفقا لميثاق الامم المتحدة وآلياته المتبعة والعمل الجاد دون ازدواجية لتنفيذ قراراته عبر آليات متعددة مع حصر استخدام القوة العسكرية بمجلس الأمن.
إيمانا من القيادة الفلسطينية بتفعيل هذه الأسس والآليات توجه الرئيس محمود عباس "أبو مازن" بمخاطبة الأمم المتحدة [في مثل هذه الأيام من العام الماضي جئتكم اطلب الحرية والاستقلال لشعبي المظلوم الذي يرزح تحت نير الاحتلال منذ 51 عاما] أي بكلمات أخرى قد تحمل بمعانيها اللوم والعتاب لعدم اضطلاع المجتمع الدولي والأمانة العامة للأمم المتحدة بالقيام بدورها لمتابعة تنفيذ توصياتها وقراراتها السابقة واتخاذ الإجراءات اللازمة لإرغام دولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية للانصياع إلى احترام ميثاق الأمم المتحدة وتنفيذ القرارات الصادرة عن مؤسساتها.
- وهنا يجدد الرئيس عباس للجمعية العامة للأمم المتحدة دعوته بضرورة إيلاء إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عام 1967 أهمية قصوى فلم يبق شعب خاضع تحت سيطرة الاستعمار سوى الشعب الفلسطيني كما لم تحظ دولة عدوانية بالحماية والدعم بالرغم من استخفافها بالأمم المتحدة مؤسسة وقرارات كما حظيت به "إسرائيل" منذ انتهاكها لقرار 181 الصادر عام 1947 باحتلال ما يزيد عن 23% مما يمنحها اياه القرار المذكور.
- كما يجدد الرئيس عباس دعوته للمجتمع الدولي العمل لتنفيذ قرار حماية الشعب الفلسطيني الذي تعرض وما زال يتعرض لكافة اشكال الانتهاكات وللعقوبات الجماعية ولمصادرة الأراضي وللقتل خارج القانون وللاعتقال الإداري ولجرائم تصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
- دعوة المجتمع الدولي لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948. أسوة بباقي شعوب العالم.
- الانتقال بدعم الحق الفلسطيني ونبذ الاحتلال من مربع نظري إلى واقع ملموس تلمسه شعوب العالم.
ثالثا : التنصل الأميركي "والإسرائيلي" من تنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة:
- أعلن الرئيس محمود عباس في كلمته عن تفاهمات واتفاقيات مع الولايات المتحدة الأميركية التزمت بها القيادة الفلسطينية ولكن الإدارة الأميركية برئاسة ترامب نقضتها مما دعاه لدعوتها للالتزام بمضمون هذه الاتفاقيات وإلا فإن القيادة الفلسطينية ستكون مضطرة لعدم الالتزام بما يتعلق بها.
- كما عبر الرئيس أبو مازن عن فقدان اميركا اهليتها لتكون وسيطا نزيها منفردة بسبب سياسة الانحياز الأعمى لترامب وإدارته لسياسة نتنياهو وزمرته ولقراراتها الرامية لفرض سياسة الأمر الواقع بمختلف القضايا وما القدس ونقل السفارة الأميركية وإغلاق مكتب منظمة التحرير ووقف مساهمتها في دعم ميزانية الأونروا إلا أمثلة على ذلك.
- تخلي اميركا عن دورها القيادي كراع لاتفاق أوسلو بمتابعة تنفيذه وبدلا من ممارسة دورها بالضغط على "إسرائيل" لتنفيذ الاستحقاقات المترتبة عليها عمدت إلى دعمها سياسيا واقتصاديا وعسكريا مما شجع القيادات الصهيونية ومكنها من الإفلات من المساءلة على عدم تنفيذ تعهداتها وفق الجدول الزمني المنصوص عليه باتفاق أوسلو والقاضي بانتهاء المرحلة الانتقالية في ايار 1999 وبالتالي تلقائيا الإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967.
- كما أكد للمجتمع الدولي على سياسة "إسرائيل" العدوانية والتوسع ببناء المستوطنات ومصادرة الاراضي خلافا للقانون الدولي وللقرارات الدولية.
- كما تضمن خطابه الاشارة والتذكير بنقض "إسرائيل" لالتزاماتها المقرة والمصادق عليها من قبل "الكنيست" في اتفاق أوسلو بل والانقلاب على جميع بنوده مما جعل من السلطة الوطنية الفلسطينية دون سلطة وكذلك نقضها لاتفاق باريس وغيرها من الممارسات العدوانية مما سيؤدي إلى تعليق التزامات السلطة من طرف واحد إلى حين التزام "إسرائيل" بتنفيذ ما يترتب عليها والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 أي بإنهاء احتلالها عمليا فالمجتمع الدولي يعترف بالدولة العربية الفلسطينية منذ اصدار قرار التقسيم رقم 181.
رابعا: محاربة العنف والإرهاب:
لم يخل خطاب الرئيس من تأكيده على الدور الفلسطيني بمشاركة المجتمع الدولي حربه على الإرهاب والتطرف أينما وجد وفي أي مكان في العالم. وفي هذا إشارة إلى أن من يساهم العالم بالحرب على الإرهاب لا يجيز لأميركا أن تتهم منظمة التحرير الفلسطينية بالإرهاب وتدعم عنوان الإرهاب الإسرائيلي فالاحتلال بحد ذاته إرهاب وتطرف.
خامسا: المستقبل والسلام:
الازدواجية ومنطق القوة لا يمكن أن يرسخا السلام والأمن لذا فإن إصرار الرئيس عباس على انتهاج الوسائل السلمية للوصول إلى إنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ما هو إلا تعبير عن احترامه لميثاق الامم المتحدة واتخاذه مرجعية لنضال الشعب الفلسطيني من اجل الحرية والاستقلال وحشد الدعم الدولي لصالح حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية وحقه بتقرير المصير .
الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية رقم 73 مطالبة بالانتصار لفلسطين قيادة وشعبا عبر اتخاذ عدد من القرارات ومتابعة تنفيذها:
أولا: دعوة اميركا لاحترام ميثاق الأمم المتحدة والكف عن دعم قوات الاحتلال الإسرائيلي وقياداته وتمكينهم من الإفلات من المساءلة والعقاب عبر استخدام الفيتو.
ثانيا: العمل على تمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته العربية الفلسطينية على مساحة 45% من مساحة فلسطين التاريخيه بدءا من تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 كخطوة على طريق تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الذي تم بموجبه الاعتراف "بإسرائيل" عضوا في الأمم المتحدة.
ثالثا: فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على دولة الاحتلال الإسرائيلي لحين تنفيذ كافة القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ عدوان حزيران 1967.
رابعا: امهال إسرائيل فترة زمنية محددة لتنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 273 الذي اشترط لقبولها عضوا في الأمم المتحدة تنفيذ قراري 181 و194 تحت طائلة الطرد من الأمم المتحدة.
خامسا: الإعلان عن دولة فلسطين دولة تحت الاحتلال واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحريرها.
سادسا: تشكيل لجان تتولى دراسة كافة القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية ووضع التوصيات لتنفيذها.
سابعا: شجب واستنكار سياسة ترامب وقراراته المناقضة للشرعة الدولية ولحقوق الإنسان واعتماده أسلوب التهديد والوعيد بالتعامل مع الدول لإملاء رغباته.
لتحقيق ذلك فان الضرورة تقتضي ان تواصل الدول العربية والإسلامية والصديقة التنسيق مع القيادة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس لترجمة ذلك إلى مشاريع قرارات وهذا ينسحب بالتأكيد على كافة القضايا العربية والإسلامية والصديقة والديمقراطية والمؤمنة بالعدل والسلام.
نعم حري بكافة القوى الفلسطينية الاصطفاف خلف منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى إجهاض مؤامرة ترامب - نتنياهو واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948.