في الطريق إلى معركة غير مسبوقة
جريدة الايام
1-10-2012
بقلم علي الخليلي
لم يكن من المتوقع أن يحمل خطاب الرئيس محمود عباس من على منبر الأمم المتحدة، أدنى مفاجأة لأي طرف. فقد سبق للسيد الرئيس نفسه أن تحدث سلفا، عن كثير من نقاط هذا الخطاب في مقابلاته الصحفية، وعلى صفحته في الفيسبوك.
ولكن هذه المكاشفة المسبقة، لا تمنع من القول أن الخطاب حقق هدفه في التواصل المباشر مع أمم وشعوب العالم كله، على طريق المزيد من توضيح الواقع الراهن للقضية الفلسطينية من جهة، وعلى تحديد معالم المستقبل المترتب عن هذا الراهن الحاضر، من جهة ثانية.
إذا بقي الحاضر على ما هو عليه، فإن المستقبل سيكون أشد تعقيدا وتهديدا يصل إلى حد التحطيم لأدنى إمكانية متاحة أو متوافرة للسلام، ولتنفيذ "حل الدولتين". وبالتالي، لا بد من تغيير هذا الحاضر قبل فوات الأوان، تغييرا جديا وجذريا يقوم على أكتاف الشرعية الدولية التي لا تلتزم بها إسرائيل، والتي لا بد من مواجهتها الصريحة بها، وإجبارها عليها. ووفق معنى هذا التغيير المستهدف، طالب الرئيس بحق فلسطين في وضع دولة غير عضو في الأمم المتحدة، ليكون حالها في حقوقها وواجباتها، مثل حال بقية دول العالم، وليكون التعامل معها، فور الإستجابة لهذا الطلب أو الحق، تعامل دولة تحت الإحتلال، وليس مجرد كيان فضفاض يقيم على أرض متنازع عليها.
صحيح أن التصويت لم يجر على الطلب فورا، إلا أن الطلب ذاته أصبح في عهدة الأمم المتحدة، وهو جاهز للتصويت عليه في أي وقت. وهذا الوقت غير مفتوح على أية حال، فهو محدد بأن يتم خلال هذا العام.
ولا بد من أن جدلا كثيرا سوف يثار حول هذا التأجيل وأسبابه ومدى تأثيره على الطلب. وهو جدل يبقى من وجهة نظري، هامشيا أو جانبيا، لا يلامس أهمية التقدم بالطلب أولا، ولا يدرس بعمق، طرائق التحرك لما بعد التصويت المحتوم، ثانيا.
نعرف أن أكثر من مائة وثلاثين دولة متوافرة للتصويت بالإيجاب على الطلب، ما يعني قبوله فورا. ولكننا نحتاج إلى المعرفة العميقة لما سوف نواجهه على الأرض، بعد هذا القبول.
إن الأعتراف بنا كدولة تحت الإحتلال داخل أروقة الأمم المتحدة، يحتاج إلى التوازي مع ترجمته العملية من قبل الدول المعترفة، على أرض الواقع الذي سعى هذا الطلب نفسه إلى تغييره فعليا. فكيف ستساعدنا هذه الدول على هذا التغيير، بخاصة في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة وبعض دول أخرى.
من المتوقع أن ترفض إسرائيل هذا الإعتراف، تماما كما هو رفضها المعروف والمستمر لكل قرارات الشرعية الدولية، من الجمعية العام للأمم المتحدة الى مجلس الأمن سيان، على مدار عشرات السنين. فكيف ستتحقق تلك الترجمة العملية في التصدي لهذا الرفض؟ ومن المتوقع أيضا أن تقف الولايات المتحدة ضد هذا الإعتراف، بوسائل وأساليب الضغط المعتادة لها على كل الأطراف المؤيدة له. فهل ستتصدى تلك الدول المعترفة لهذا الموقف المعارض للشرعية الدولية؟ أم سيكون للولايات المتحدة بحجمها الإمبراطوري المهيمن،، ما سيؤثر على هذه الدول، أو معظمها، أو بعضها على الأقل، ليصبح إعترافها بلا أي ثقل عملي، وكأنه لم يكن؟
على أية حال، يدرك الرئيس محمود عباس أن الحصول على وضع أو صفة دولة لفلسطين تحت الاحتلال، بدلا من الوضع الحالي الغامض، يعني على الفور، الدخول في معركة متشعبة وغير مسبوقة، لأنها تختلف تماما عن كل المعارك السياسية السابقة التي قامت على مكونات التفاوض مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي وجدت فيه منظمة التحرير ممثلة بالسلطة الوطنية أن هذه المفاوضات، أو هذه المكونات، قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن الرعاية الأميركية منحازة بما لا يطاق إلى جانب إسرائيل فيها، حتى إضطرت إلى القفز عنها لأول مرة في تاريخها، إلى الأمم المتحدة لتغيير قواعد "اللعبة" من أساسها، في هذا الوقت ذاته، لا تجد إسرائيل والولايات المتحدجة مثل هذا أبدا، بل تصران على مواصلة المفاوضات مهما كانت الحال، وترفضان على الإطلاق، تدخل الأمم المتحدة فيها.
معركة جديدة وذات بُعد مصيري واضح، خط معالمها الأولوية والأساسية خطاب الرئيس أبو مازن. والقادم هو الأهم، في إدارة هذه المعركة، وحتمية النجاح فيها، ضمن معنى السلام المنشود في فرصته الأخيرة، أو السقوط المدوي في ظلام مدمر لكل الأطراف.