ليس نظام "الإخوان" في مصر فقط هو الذي تعرض للسقوط بعد أن سجل فشلا أضافيا لمشروع الإسلام السياسي في الحكم، ولكن أيضا، يبدو أن كل انظمة الحكم المشابهة، والتي تنتمي عمليا لجماعة الإخوان، انما هي في طريقها للسقوط، وهي تواجه حاليا تحديات واحتجاجات شعبية متصاعدة.
فرغم وجود اختلافات ما بين تجربة حكم الإخوان في مصر، وتجربة حكم النهضة، والذي يبدو أنه الفرع الإخواني في تونس، ارتباطا بعضوية رئيس النهضة راشد الغنوشي في التنظيم الدولي للأخوان، تمثلت في أن "النهضة" أشركت في نظام حكمها آخرين، كما انها نصبت رئيسا للجمهورية التونسية مقربا منها، لكنه ليس عضوا في جماعتها أو حزبها، والأهم ها هي تواجه الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة، بتقديم بعض التنازلات من نمط تعديل الحكومة، والموافقة على التقاطع مع اتحاد الشغل، أحد أهم القوى المعارضة، في محاولة لتجنب سقوط مشروعها السياسي، كما حدث مع شقيقها المصري.
ورغم أن تونس منشغلة بأوضاعها الداخلية، كما انها دولة "مسالمة" لم تسجل يوما انها وقفت يوما على أحد جانبي معادلات الجذب في المنطقة، لدرجة أن اختارها أبو عمار كمقر لمنظمة التحرير الفلسطينية، حين ضاقت به السبل بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وكانت قبل ذلك قد اختارتها الدول العربية كمقر لجامعة الدول العربية، بعد عقد الرئيس المصري الراحل أنور السادات لاتفاقات كامب ديفيد التي رفضتها معظم الدول العربية. رغم ذلك إلا أن تونس _ وهذه مفارقة، لها علاقة بحكم النهضة فيها _ تواصل الانحياز لنظام حكم الأخوان في مصر، وتنضم لقطر إعلاميا في بث أخبار " الاحتجاجات " على نظام الحكم الانتقالي الحالي في مصر.
ولعل كلمة المنصف المرزوقي في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد كشفت الى أي حد، بالغت فيه تونس الرسمية في تحدي مشاعر المصريين، تجاه ما حدث في بلادهم بعد الثلاثين من حزيران الماضي.
احد أهم ركائز نظام الحكم الأخواني / الإسلامي، هو رجب طيب أردوغان، وهو بدوره يواجه احتجاجات شعبية متواصلة، ولعل العد التنازلي لنظام حكم " الإسلاميين" حماة الأخوان العرب، في تركيا قد بدأ فعلا.
آخر المنضمين الى مجموعة الأنظمة الإسلامية / الإخوانية المتداعية، هو نظام حكم الرئيس السوداني عمر البشير، الذي جاء الى حكم السودان بعد انقلاب عسكري، سرعان ما تحالف من أجل تثبيته مع حزب المؤتمر الإسلامي بزعامة حسن الترابي، ورغم انه قد انقلب عليه لاحقا بعد أن ثبت أركان حكمه الدكتاتوري، بهدف التفرد بالسلطة والحكم، إلا أنه ظل يضفي "الشكل الإسلامي" على حكمه، حتى تتوفر له القدرة على القمع، وكان من نتيجة حكمه المتواصل طوال 24 سنة أن انفصل الجنوب المسيحي / الأفريقي عن الشمال العربي / الإسلامي، لأن الأقلية الجنوبية، لا يمكنها ان تقبل نظام حكم تدفع فيه الجزية، وها هو يواجه منذ أسبوع انتفاضة شعبية، ربما تكون قد تأخرت أصلا، من أجل انقاذ ما يمكن إنقاذه من السودان.
كان السودان ملجأ لحركة حماس، وحليفا لها منذ سنوات طويلة، وممرا لتهريب الأسلحة من إيران اليها في غزة، وبذلك يمكن القول، إن المنطقة العربية رفضت عمليا مشروع إقامة نظام الحكم " الإسلامي" المتشدد، والخارج عن منطق العصر، خاصة من قبل تلك الأحزاب التي تبشر بالخلافة، لدرجة فتح الأبواب العربية لعودة الاستعمار التركي / العثماني للمنطقة، من خلال التبشير له بنشر الثقافة التركية ومن ثم بجعلهم أردوغان بطلا، كأنه صلاح الدين !
تبدو "حماس" الآن، وكأنها تغرق في بحر الظلمات، وهي بات من الصعب عليها جدا أن تعيد حساباتها وتحالفاتها، وان تعود مثلا الى محور " الممانعة " الإيراني / السوري، وذلك لسبب بسيط وهو أن حسن روحاني هو غير أحمدي نجاد، وفي طريقها للتقارب مع أميركا والخليج العربي بزعامة السعودية وليس قطر، من الصعب على إيران ان تعيد "حماس" الى احضانها الدافئة، كما ان النظام السوري من الصعب عليه أن ينسى غدر حماس له وانضمامها للنصرة وللجماعات المسلحة التي تقاتله، وحجيجها المتواصل الى أنقرة، وولاءها للرئيس المصري المعزول مرسي العياط، الذي كان قد بالغ في انحيازه للجماعات المناوئة للأسد، لدرجة طرد السفير السوري من القاهرة.
لم يبق من حلفاء مهمين أو لديهم ما يمكن ان يقدموه لحماس في المنطقة سوى قطر، وما أدراك ما قطر، وهي بدورها، بات واضحا تراجع تأثيرها في المنطقة، على كافة الصعد، بعد فشل رهانها على الأخوان كحليف إستراتيجي في المنطقة، بدا لوهلة، انهم في طريقهم للتربع على مقاعد الحكم فيها لعقود قادمة.
لم يبق لحماس إلا أن تنشد مع نزار قباني وعبد الحليم حافظ، إني أتنفس تحت الماء، أني أغرق ,, أغرق، وليس أمامها إلا حل وحيد، وهو ان تسارع فورا ودون إبطاء الى الاحتماء بعباءة الوطنية الفلسطينية، ويمكن بكل بساطة أن تدق أبواب الرئيس الفلسطيني، وأن تدخل البيت الفلسطيني، لتجد فيه خلاصها