قمة الكويت والقضية الفلسطينية
احتلت القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية حوالي سبعين في المئة من قرارات القمة العربية الخامسة والعشرين التي انعقدت يوم الثلاثاء الماضي في الكويت وهذا يؤكد مجددا أن القضية الفلسطينية هي القضية العربية المركزية الأولى وقد كانت دائما هكذا في رأس جدول أعمال القمم العربية بدءا من القمة الأولى التي عقدت في أنشاص في مصر في شهر أيار من عام 1946 ومرورا بقمة بيروت الطارئة التي انعقدت في بيروت في شهر تشرين الثاني من عام 1956 ثم استمرت القضية الفلسطينية في مقدمة جدول أعمال القمم العربية منذ أن أصبحت القمة العربية مؤسسة رسمية وذلك بدءا من عام 1964 حيث انعقدت القمة العربية الرسمية الأولى في مدينة الإسكندرية في أيلول من عام 1964 في الفترة الممتدة من 13-17 من كانون الثاني بدعوة من الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكان من أهم قرارات قمة 1964 إقامة قواعد سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني ليتمكن من تقرير مصيره، وقد عهد إلى الزعيم الفلسطيني الراحل أحمد الشقيري أمر تنظيم الشعب الفلسطيني، وكان أن تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني برئاسة أحمد الشقيري.
ومن القرارات الهامة الخاصة بالقضية الفلسطينية التي تبنتها قمة الكويت الأخيرة التأكيد على أن السلام العادل والشامل هو الخيار الإستراتيجي لحل القضية الفلسطينية وأن عملية السلام هي عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، وشددت على أن السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة في الأراضي الفلسطينية وذلك ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967. وذلك وفقا لمبادرة السلام التي أقامتها الدول العربية في بيروت عام 2002 والتي أكدت عليها القمم العربية المتعاقبة.
ومعلوم أن مبادرة السلام العربية ما زالت على الطاولة العربية منذ أن أقرتها قمة بيروت وهي تنص على أن تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفق قرارات الشرعية الدولية من شأنه أن ينهي الصراع المستمر منذ أكثر من ستة عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه في حال تحقق هذا السلام فإن ذلك يفتح الباب واسعا أمام سلام شامل بين الدول العربية مجتمعة وبين إسرائيل بحيث يتم تطبيع العلاقات بين العرب والإسرائيليين وتفتتح سفارات اسرائيلية في العواصم العربية وتغلق صفحة العداء والحروب وسفك الدماء، وتبدأ صفحة جديدة من التعاون والعلاقات الطبيعية بين اسرائيل والدول العربية كبقية العلاقات بين الدول الأخرى.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وقعت مع حكومة اسرائيل في عام 1993 اتفاقية أوسلو، حيث اعترفت اسرائيل بموجب هذه الإتفاقية بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني، كما التزمت المنظمة في الإتفاقية بالإعتراف بحق اسرائيل في العيش في سلام وأمن، والتوصل إلى حل لكل القضايا الأساسية الخاصة بالإوضاع الدائمة من خلال المفاوضات. كما نصت الإتفاقية على أن المفاوضات سوف تغطي قضايا الوضع النهائي وهي القدس واللاجئون والمستوطنات والترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين.
وهكذا فإن الفلسطينيين وكذلك الدول العربية اختاروا السلام خيارا استراتيجيا لهم ومن ثم فإن القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس بعد أن تولى القيادة عقب وفاة زميله في العمل الرئيس الشهيد ياسر عرفات، أكد أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقوقه المشروعة وثوابته الوطنية وفي مقدمتها إقامة دولته الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس الشريف ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وذلك بالوسائل السلمية التي تتناغم وقرارت الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة وذلك بعيداً عن العنف والقتل وسفك الدماء.
وقد وفت القيادة الفلسطينية بكل ما التزمت به تجاه عملية السلام ودخلت في مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، وقد توصل الرئيس عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت إلى كثير من التفاهمات حول تحقيق السلام وخاصة ما يتعلق بقضية القدس التي تعتبر مفتاح عملية السلام. ولكن حكومة بنيامين نتنياهو رفضت الإعتراف بتلك التفاهمات وأصرت على العودة الى نقطة الصفر وفضلت سياسة الإستيطان التوسعية على السلام العادل والشامل.
ومن قرارات قمة الكويت الهامة أيضا الرفض البات والقاطع للإعتراف بإسرائيل دولة يهودية وذلك تأييدا لموقف القيادة الفلسطينية حيث يرفض الرئيس عباس رفضا قاطعا الإعتراف بيهودية اسرائيل، لأن ذلك من شأنه أن يهدد مصير الإخوة الفلسطينية داخل الخط الأخضر، كما أنه يلغي قرار حق العودة التي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولقطع الطريق على هذه المطالبة فإن الرئيس عباس تساءل وبحق لماذا لم تطالب إسرائيل كلا من مصر والأردن الإعتراف بيهودية اسرائيل حينما وقعت معهما اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة؟
والواقع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يختلق الأسباب للتهرب من تنفيذ استحقاقات إسرائيل تجاه عملية السلام ولإتهام القيادة الفلسطينية بأنها تعرقل عملية السلام، ذلك أن من يريد السلام حقيقة لا يختلق الأسباب لعرقلة هذه العملية، فالسلام أثمن وأغلى من كل تلك العراقيل التي يختلقها نتنياهو.
وفيما يخص القدس فإن قمة الكويت رفضت كل الإجراءات الإسرائيلية في القدس الشرقية خاصة ما قامت به اسرائيل من ضمها إلى القدس الغربية باعتبارها "عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل". وأكدت القمة أن كل ما تقوم به اسرائيل في القدس الشرقية من تغيير ديمغرافي وجغرافي وطمس الطابع العربي الإسلامي للمدينة المقدسة يعتبر باطلا ولاغيا بموجب القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية واتفاقية جنيف واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية.
وفيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك أكدت قمة الكويت أهمية الإتفاقية التي وقعها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس والتي أكدت وصاية الأسرة الهاشمية الكريمة على الأماكن المقدسة في القدس الشرقية، كما أشادت القمة بالدور الأردني في رعاية وحماية وصيانة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وذلك ضمن إطار الرعاية الهاشمية التاريخية، وشددت أن الإتفاقية الأردنية الفلسطينية أكدت الرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
ولا بد في هذا المجال من الإشادة بدور الهاشميين التاريخي في رعاية المسجد الأقصى المبارك وبقية الأماكن المقدسة في القدس الإسلامية منها والمسيحية، حيث أن الهاشميين منذ عهد الملك المؤسس الشهيد عبد الله بن الحسين الأول ومرورا بحفيده العاهل الملك الحسين بن طلال وانتهاء اليوم بالملك عبد الله الثاني يعتبرون أن القدس أمانة غالية لديهم وهم بذلوا ويبذلون الغالي والنفيس للمحافظة على القدس وأماكنها المقدسة. كما أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يرفض بشدة كل المحاولات الإسرائيلية الأخيرة لإلغاء الوصاية الهاشمية على القدس ومقدساتها، وحذر من تداعيات فرض الوصاية الإسرائيلية على المسجد الأقصى المبارك.
وقد أكدت قمة الكويت الأخيرة أن مفاوضات عملية السلام يجب أن ترتكز على مرجعيات عملية السلام المتمثلة في قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام ومبدأ الأرض مقابل السلام في إطار زمني متفق عليه. وأكدت أن قضايا الحل النهائي لانهاء الصراع العربي الإسرائيلي هي الإستيطان والقدس واللاجئون والحدود والمياه والأسرى، وشددت على رفض كل المحاولات الإسرائيلية الهادفة الى تفتيت وحدة الأراضي الفلسطينية وكافة الإجراءات احادية الجانب التي تتخذها اسرائيل.
ولدعم موازنة دولة فلسطين وصمود الشعب الفلسطيني أكدت القمة على دعوة الدول العربية على توفير شبكة أمان مالية بأسرع وقت ممكن بمبلغ مئة مليون دولار شهريا لدولة فلسطين وذلك دعما للقيادة الفلسطينية التي تتعرض لضغوط مالية مع استمرار اسرائيل في عدم تحويلها الأموال المستحقة للحكومة الفلسطينية.
كما دعت قمة الكويت الدول العربية الى تفعيل قرارات قمة سيرت الليبية الخاصة بزيادة الدعم الإضافي المقرر في قمة بيروت عام 2002 لصندوقي الأقصى والقدس إلى 500 مليون دولار ومطالبة الأمانة العامة للجامعة العربية لوضع آليات لتفعيل خطة التحرك العربي لانقاذ القدس.
وخلاصة قرارات قمة الكويت العربية الخامسة والعشرين أنها تؤكد مركزية القضية الفلسطينية لدى الدول العربية باعتبارها قضية العرب والمسلمين الأولى، كما تثبت الموقف الصائب للقيادة الفلسطينية في تحركها عربيا ودوليا لإنجاز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المتمثلة في دولة مستقلة ذات سيادة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967. ونتمنى على القادة العرب أن ينفذوا ما التزموا به من دعم مالي للقدس وصندوق الأقصى، خاصة وأن قرارات الدعم المالي السابقة لم يصل منها شيئا، علما أن ما قرر مبلغ زهيد لا يتجاوز ال 500 مليون دولار لأن القدس بحاجة ماسة لكل دعم لتثبيت المقدسيين في قدسهم.
والله الموفق