حكومة التوافق الوطني: مواقف وأولويات
وكالة معاً الاخبارية/ الكاتب: عزام شعث
طوت الفصائل الفلسطينية أولى صفحات الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة والمستمر منذ منتصف حزيران 2007؛ بتشكيلها حكومة التوافق الوطني وأدائها اليمن الدستورية أمام الرئيس محمود عباس. لقد اكتسبت الحكومة الفلسطينية أهميتها من المشاورات الداخلية المعمقة التي أجرتها القوى والفصائل الفلسطينية، خصوصاً حركتي "فتح" و"حماس"، منذ توقيع اتفاق الشاطئ في 23 نيسان 2014، كما اكتسبت الحكومة أهميتها من الترحيب الواسع محلياً (القوى والفصائل والمؤسسات المجتمعية)، إقليمياً (جامعة الدول العربية، مصر.. غيرها من الدول العربية) ودولياً (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، روسيا، فرنسا، بريطانيا.. وغيرها من الدول).
في مقابل ذلك، وكما هو متوقع؛ عبرت الحكومة الإسرائيلية عن استياءها الشديد إزاء تشكيل الحكومة الفلسطينية، وقرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغرعدم إجراء أي مفاوضات معها. الأكثر من ذلك أن حكومة إسرائيل استبقت القرار الفلسطيني بالتوافق على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأعلنت أنها لن تسمح بمشاركة فصائل فلسطينية (إرهابية) في هذه الانتخابات، وواصلت تحريضها ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبدأت حملة لمنع اعتراف المجتمع الدولي بحكومة التوافق الفلسطينية، غير أن تلك الضغوط والمساعي الإسرائيلية لم تحقق مبتغاها. كان ذلك واضحاً من الترحيب الواسع بحكومة التوافق منذ الساعات الأولى للإعلان عنها، وكان الأمر أكثر وضوحاً بإعلان الإدارة الأمريكية أنها سوف تتعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة وأنها ستدعمها اقتصادياً، ودعوتها- أي الولايات المتحدة- إسرائيل للتريث في شأن قطع أو تجميد العلاقات مع حكومة الرئيس عباس التي تتبني برنامجه السياسي، أو اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب.
وما إن أخفقت الحكومة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها وتطلعاتها لجهة توفير المقاطعة الدولية لحكومة التوافق الوطني؛ حتى اتجهت لفرض العقوبات ضدها في اتجاهين أولهما، وقف التعامل مع الحكومة الفلسطينية، وبدأت أولى إجراءاتها بمنع وصول الوزراء الأربعة المكلفين من قطاع غزة إلى رام الله، عبر معبر بيت حانون "إيريز" لأداء اليمين الدستورية، ومنع وزراء الحكومة جميعهم من التنقل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي بذلك تكرس وتعمق سياسة الفصل في محاولة منها للإيحاء بأن اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" لن يقود إلى إزالة معوقات التواصل بين الضفة وغزة. وثانيهما، اقدام الحكومة الإسرائيلية ومصادقتها على مواصلة بناء وتشييد آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة. تريد إسرائيل من وراء ذلك التأكيد على أنها لم تعد تكترث بالمطالب الدولية الداعية إلى وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا بالشرط الفلسطيني الداعي إلى وقف الاستيطان كمقدمة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية.
تمكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بحكمة واقتدار، من إزالة أية مخاوف قد تنتاب المجتمع الدولي من التقارب الحاصل بين حركتي "فتح" و"حماس"، وما تبعه من تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، فهو لم يغفل أن الانتخابات التشريعية في العام 2006، وما نتج عنها من وصول حركة "حماس" إلى الحكم أدت إلى المقاطعة الدولية وتشديد الحصار على قطاع غزة، الأمر الذي دفعه إلى الإعلان، أكثر من مرة، عن أن حكومة التوافق الوطني هي حكومته وتلتزم التزاما تاماً ببرنامجه السياسي- أي برنامج منظمة التحرير- وأن مهمتها تنصب أساساً في إزالة أثار الانقسام والتحضير للانتخابات العامة في غضون الشهور الستة التالية لتشكيلها، كما أن الرئيس أجاد اختيار رئيس وأعضاء الحكومة من التكنوقراط "الخبراء- الفنيين"، دون أن يكون أيٍ منهم عضواً بارزاً في أي من التنظيمات الفلسطينية.
إن الانقسام الفلسطيني، وعلى مدار سنواته السبع، أحدث شرخاً في بنية النظام السياسي، فهو من ناحية عمّق النزاع حول السلطة التشريعية وأدى إلى وقف دورها الرقابي والتشريعي، ومن ناحيةٍ ثانية أدى إلى انهيار السلطة القضائية بحيث أضحى لقطاع غزة نظام قضائي في مقابل نظام قضائي قائم في الضفة الغربية، ومن ناحيةٍ ثالثة أدى إلى انشقاق المجال السياسي إلى حكومتين تسيطر إحداهما على قطاع غزة والأخرى تسيطر على الضفة الغربية. كما ألقى الانقسام بظلاله الثقيلة على عملية التحول الديمقراطي، بما في ذلك تعطيل إجراء الانتخابات العامة والمحلية، فخلت الأجواء الفلسطينية (باستثناء المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس محمود عباس بتاريخ 23 تشرين الأول 2009، والقاضي بالدعوة لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية يوم 24 كانون الثاني2010)من أية بوادر إيجابية أو استعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وفقًا للجداول الزمنية المحددة قانونًا، أو حتى الاتفاق على مواعيد جديدة لإجرائها.
إن التغيرات الراهنة في بنية النظام السياسي الفلسطيني تلقي أعباءً إضافية على كاهل القيادة الفلسطينية وحكومة التوافق الوطني، فهي تتطلب جهداً خاصاً واستثنائياً من أجل إعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني، وتعميق وتعزيز الأساس الديمقراطي، بما يضمن تحقيق الشراكة الفلسطينية الحقيقية، وتعميق التعددية بكل أشكالها، وتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة،وضمان الحقوق والحريات العامة والفردية، وسيادة القانون، واعتماد الانتخابات بشكل دوري على كافة المستويات وفي جميع القطاعات. كما أن مهمة استعادة الوحدة الوطنية،بمعناها الشامل، توجب البحث في مسألة إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أسسٍ وطنية وشراكة حقيقية قائمة على المصلحة الوطنية، وما يقتضيه ذلك من إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني وإعادة صياغة وتطوير وثائق الإجماع الوطني في ضوء الخبرات السابقة والحقائق المستجدة.