الذكرى الثانية لرحيل القائد هاني الحسن (أبو طارق)
بقلم: لواء ركن/ عرابي كلوب
عام يذهب .. وآخر يأتي .. ففي كافة مراحل النضال، وعلى مدار الأزمنة المتعاقبة، كان الشهداء هم أبطال هذه المراحل ورجالها الأوائل وعناوين بسالتهم وشجاعتهم.
ولد هاني محمد سعيد الحسن سنة 1938م في قرية إجزم قضاء حيفا لأسرة متوسطة الحال لأسرة دينية عريقة في المدينة، ضمن عائلة مكونة من خمسة أولاد وهم(خالد، علي، هاني، مسعود، بلال) وبنتان ، كان والده الحاج محمد سعيد الحسن عضواً بارزاً في مجموعات الفدائيين التي شكلها الشيخ عز الدين القسام ومن ثم أصبح خطيباً لمسجد الاستقلال في المدينة .
آثر المجازر التي ارتكبها الصهاينة والتي رافقت قيام دولة إسرائيل عام 1948م لجأت عائلته إلى لبنان ومن ثم إلى سوريا حيث أنهى دراسته الثانوية فيها، وفي أواخر الخمسينيات انتقل للدراسة في ألمانيا ودرس فيها الهندسة وذلك في مدينة (دارمشتات) حيث كان رئيسا للاتحاد العام لطلبة فلسطين فيها ومن أنشط الطلبة في الدفاع عن القضية الفلسطينية وبدأ بإنشاء قواعد منظمة طلائع العائدين.
كان هاني الحسن نشيطاً جداً في إلقاء المحاضرات على جميع الطلبة حيث ترك بصماته الواضحة والجلية في تأسيس اتحاد طلبة فلسطين واتحاد عمال فلسطين في ألمانيا الغربية آنذاك حيث أقام علاقات جيدة مع اتحاد الطلاب الألمان.
لقد كان هاني الحسن يقوم باستقبال الطلبة الجدد وتقديم كل المساعدة لهم ليجدوا السكن الملائم والتأقلم السريع في ألمانيا
أسس هاني الحسن مع الشهيد القائد/ هايل عبد الحميد (أبو الهول) تنظيم (طلائع العائدين) وذلك قبل الالتحاق بحركة فتح.
في عام 1963م حضر هاني الحسن مع ممثلو فروع اتحاد طلبة فلسطين في أوروبا إلى قطاع غزة لحضور المؤتمر الثالث للاتحاد حيث انعقد المؤتمر الثالث للاتحاد العام لطلبة فلسطين في جو توازنت فيه القوى الحزبية مع القوميين العرب والبعثيين وكان لحركة فتح عضوان من فرع الاسكندرية أحدهما القائد الشهيد ممدوح صيدم وقد حضر المؤتمر مندوب عن الرئيس جمال عبد الناصر السيد كمال رفعت وجمهور غفير من طلاب قطاع غزة حيث جاءوا من كل صوب وحدب معتزين بأبنائهم الجامعيين ومتلهفين إلى سماع صوتهم المتمسك بالعودة إلى الوطن.
التحق هاني الحسن بالحركة عام 1963م بعد أن تم الاتصال مع الشهيد القائد أبوجهاد في الجزائر حيث كان حلقة الوصل آنذاك الأخ/ عبد الله الافرنجي
كان هاني الحسن أمين سر الحركة في ألمانيا الغربية، حيث تفرغ للعمل في الحركة بعد حرب حزيران عام 1967م مباشرة.
التحق بدورة عسكرية في الصين عام 1967م، وكان عدد الدورة ثلاثون فرداً حيث أصبح منهم قيادات سياسية وقيادات عسكرية حيث كانوا من الصف الأول الذي أرسل لتلقي العلوم العسكرية في الصين.
عمل هاني الحسن مفوضاً سياسياً في الأردن حتى عام 1969م وكان أمين سر إقليم الأردن في ذلك الوقت
في سبتمبر عام 1969م أقام هاني الحسن ود. نبيل نصار بالاتفاق مع السفير الجزائري (محمد يزيد) سفير الجمهورية الجزائرية في بيروت آنذاك أقاموا أول ندوة عالمية لفلسطين عقدت في العاصمة الجزائرية (قصر الصنوبر) حيث تحملت الحكومة الجزائرية كافة النفقات والمصاريف وكانت هذه أول مظاهرة عالمية دولية حيث دعت إليها شخصيات رسمية وعربية وعالمية وعدد كبير من الأحزاب الاشتراكية والأوروبية المختلفة وحضرها كذلك مجموعة الفهود السود وتوج افتتاحها من قبل الأخ أبو عمار والرئيس الجزائري هواري بومدين.
كان هاني الحسن من المقربين جداً من الشهيد القائد/ ياسر عرفات وكان في الدائرة الأولى والمقربة التي يتم استشارته فيها وخصوصاً في العلاقات العربية حيث عمل بعد ذلك مستشاراً سياسياً واستراتيجياً له.
عين هاني الحسن عام 1973م نائباً لمفوض جهاز الأمن والمعلومات في حركة فتح والذي كان يترأسه الشهيد القائد هايل عبد الحميد.
تقلد هاني الحسن مناصب رفيعة في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح حيث أصبح عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر الرابع للحركة والذي عقد في مدينة أبناء الشهداء بدمشق بتاريخ 22/5/1980م وعين مفوضاً لدائرة العلاقات الخارجية في الحركة.
هاني الحسن(أبو طارق) كان يوصف برجل المهمات الصعبة في الحركة وأميناً لأهم أسرارها وفعالاً في رسم استراتيجيتها.
لقد نسج هاني الحسن علاقات واسعة النطاق مع الكثير من الرؤساء والملوك والزعماء العرب والأجانب، وكان مفاوضاً بارعاً ومتمرساً في إقناع محاوريه وحتى خصومه وصفوه بـ (المفاوض الصعب) .
لقد ميز شخصية هاني الحسن ذلك الإيمان الهائل لأدائه العمل على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية وفي كل المواقع التي شغلها وكان بحكم موقعه يملك الكثير من المعلومات ويرفض استخدام تلك المعلومات في غير مجالها الذي يخدم السياسة العامة لحركة فتح مهما كانت الظروف.
بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979م رافق هاني الحسن الشهيد القائد/ أبو عمار إلى طهران للتهنئة بانتصار الثورة ومن طهران أصدر الأخ أبو عمار قراراً بتعيينه أول سفير لدولة فلسطين.
أثناء حرب عام 1982م والتي استمرت لمدة ثلاثة أشهر وكانت أطول حرب لعب هاني الحسن دوراً بارزاً كمفاوض أساسي مع (فيليب حبيب) المبعوث الأمريكي.
في المؤتمر الخامس لحركة فتح والذي عقد في العاصمة التونسية في شهر 8/1989م أعيد انتخاب هاني الحسن كعضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح واستلم مهمة العلاقات الخارجية وعين الأخ/ عبدالله الافرنجي نائباً له.
عاد هاني الحسن(أبوطارق ) إلى أرض الوطن عام 1995م .
عمل مستشاراً سياسياً للشهيد القائد/ أبو عمار في الوطن، وعين عام 2002م في منصب وزير الداخلية في الحكومة الخامسة، وبعد رحيل الشهيد أبو عمار استمر في عمله مستشاراً سياسياً للرئيس محمود عباس.
أثناء انعقاد المؤتمر السادس للحركة في بيت لحم عام 2004م اعتذر هاني الحسن عن عدم استطاعته بتقلد أي منصب سياسي وذلك للوضع الصحي الذي يمر به حيث بقي حتى توفاه الله بتاريخ 6/7/2012م ودفن في مدينة رام الله .
هاني الحسن ( أبو طارق ) من أولئك النجوم الساطعة في سماء الكون ينيرون الطريق للأجيال القادمة.
يقول هاني الحسن: (لقد دخلنا حركة فتح وكل منا يعلم أنه ليس سوى مشروع شهادة)
ولولا هذه التضحيات الجسام لهؤلاء الأبطال القادة الميامين الذين صنعوا فجر الحرية لشعبنا الفلسطيني ، وأعادوا كتابة تاريخ قضيتهم الوطنية، لما كنا في أحضان وطننا الحبيب.
واليوم وبعد مرور عامين على فراق القائد الكبير أبو طارق فإن المؤمنين فهم يعلمون أن الموت كالحياة لا خيار لنا فيه، رحمك الله يا أبا طارق.
فكل التحية لهذه الكوكبة من القيادات ولكافة الشهداء الأبرار الذين عمدوا طريقهم بالدم ، فلهم منا كل التقدير والمحبة، وهم في ذاكرة شعبنا الفلسطيني على مر العصور.
هذا وفي إطار حرص السيد الرئيس/ محمود عباس رئيس دولة فلسطين على تكريم القادة المؤسسين والرعيل الأول للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ووفاء لتاريخهم النضالي فقد منح سيادته المناضل المرحوم/ هاني الحسن (أبو طارق) وسام نجمة الشرف من الدرجة العليا.
وجاء في نص مرسوم منح الوسام ما يلي:
(رسمنا بمنح الفقيد القائد / هاني الحسن (أبو طارق) وسام نجمة الشرف من الدرجة العليا تقديراً لدوره النضالي والوطني في الدفاع عن و طنه وشعبه وقضيتهما العادلة ، وتثميناً عالياً منا لعطائه ومسيرته النضالية المشرفة في تاريخ الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية).