المبادرة المصرية
الحياة الجديدة/ فتحي البس
سارع بعض الناطقين باسم حماس الى رفض المبادرة المصرية لانها لم تبحث مع الحركة ولم يتم التشاور معها. اعتبر القيادي في حماس اسامة حمدان ان "المبادرة نكتة وهي موجهة لوسائل الاعلام وليست سياسية"، وأطل من على شاشة الجزيرة القياديان سامي ابو زهري وفوزي برهوم ليعلنا رفضا قاطعا للمبادرة في استباق غير مفهوم للموقف الرسمي لقيادة حركة حماس الذي عبر عنه نائب رئيس مكتبها السياسي موسى ابو مرزوق ومن على منبر الجزيرة ايضا الذي أكد "أن المشاورات لا تزال جارية داخل الحركة وأن الموقف الرسمي للحركة بشأن المبادرة المصرية لم يصدر بعد".
هل يعني هذا التناقض في المواقف وجود تباين في وجهات النظر أم أن هناك فريقاً داخل حماس يريد أن يفرض موقفا مسبقا يمليه على قيادة حماس؟
المبادرة المصرية في ظني إقليمية وليست اجتهادا مصريا خالصا، وحظيت بموافقة الجامعة العربية والرئاسة الفلسطينية ودول اقليمية أخرى لم تكن بعيدة عن الحراك والاتصالات، وباركتها الولايات المتحدة وقبلتها اسرائيل، ربما بخبث المحتل أو درءا لادانتها في حال استمرار العدوان الذي عودتنا أنها لا تحتاج لمبرر للقيام به، فهي تعيش على الحرب وتصدر أزماتها من خلاله.
الرئاسة الفلسطينية بررت ترحيبها بالمبادرة لأنها تحقن الدم الفلسطيني وتستجيب للمصلحة الوطنية العليا. طبعا يسارع من لهم موقف مسبق ودائم من أي رؤية تصدر عن الرئيس محمود عباس الى الادانة والتشنيع. لم يفعلوا ذلك عندما رعى رئيس مصر السابق الاخواني محمد مرسي تفاهمات 2012 التي أعلنت في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية المصري بمشاركة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في القاهرة دون تمثيل للفصائل الفلسطينية وقيل وقتها ان الفصائل أرغمت على هذه التفاهمات حقنا للدم الفلسطيني واستجابة للمصلحة الوطنية. فما المختلف الآن؟
ما الذي يحكم موقف حماس؟ حقن الدم الفلسطيني أم عدم مشاورتها رغم أن موقف موسى ابو مرزوق يشير إلى انه يعرف بالمبادرة هو وقيادة حماس ويدرسونها؟
هناك من يهمس أن سبب رفض بعض أطراف حماس هو الموقف التركي والقطري، فإن صح ذلك فهو موقف يرهن الدم الفلسطيني برضى دولتين لهما مصالح مختلفة يرى فيها معظم الشعب الفلسطيني مناقضة لحاجته لوقف القتل والتدمير طالما أن المقاومة تهدف إلى ردع العدو فقط وأن بسالة المقاتلين التي أحترم وأجل لن تقودنا للتحرير، فهي تفهم العدو أن للفلسطينيين إرادة ولديهم قدرات وأظن أن الرسالة وصلت جيدا للاحتلال، فما المبرر للرفض طالما أن مبدأ التهدئة مقبول، وسيتم وقف النار آجلا أم عاجلا، هل سنقبل بعد مئات أخرى من الشهداء وآلاف من الجرحى ومزيد من الدمار؟
العدو، الأرعن والمتغطرس والمهزوم أخلاقيا وسياسيا ودبلوماسيا وفي المستقبل ربما عسكريا إذا ما اتحدت إرادة العرب، لا حل معه إلا باستراتيجية وطنية شاملة متفاهم عليها يحتضنها الشعب الفلسطيني ويدفع في سبيلها برضى تام كل غال ونفيس.
الفصائلية والذاتية والسعي إلى تحقيق مكاسب صغيرة مثل التشاور أو الحديث المباشر مع حماس لا يجوز أن يكون سببا لمزيد من الدم لا ينجم عنه وضع مختلف عن تفاهمات 2012.. وأذكّر أخيرا بأن حزب الله ألحق بالعدو خسائر فادحة عام 2006 وأوصل الى العدو رسالته بأنه يملك قوة الردع لكنه فوّض حكومة خصمه اللدود فؤاد السنيورة بالتوصل الى اتفاق وقبل به وما زال يلتزم به، فلماذا لا يقوم الرئيس أبو مازن بالتفاوض طالما أنه يمثل الشرعية وفي وضع رسمي معترف به فلسطينيا وعربيا ودوليا؟
الشعب الفلسطيني مقاوم منذ عقود طويلة.. يفهم المقاومة على أنها تبدأ برفع الحاجب غضبا وصولا إلى التضحية بالنفس. فعلها على مر الزمن وسيستمر إلى أن يحقق هدفه بالاستقلال والتحرير، لكنه يرفض أن تكون المقاومة بلا استراتيجية واضحة ومواقف حاسمة وأهداف استراتيجية لكل فعل يقوم به كي لا تذهب تضحياته سدى.
المجد للشعب الفلسطيني المقاوم والمضحي، والشكر لكل من يتفهم عذاباته وجراحاته ويسهم في دعمه للخلاص النهائي من الاحتلال.