التاريخ : الجمعة 19-04-2024

نيابة عن الرئيس: السفير دبور يضع اكليلا من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الثورة الفلسطينية في بير    |     الرئيس يدعو لاقتصار فعاليات عيد الفطر على الشعائر الدينية    |     "هيومن رايتس ووتش": التجويع الذي تفرضه إسرائيل على غزة يقتل الأطفال    |     فرنسا تقترح فرض عقوبات على إسرائيل لإرغامها على إدخال المساعدات إلى غزة    |     ارتفاع حصيلة العدوان على غزة إلى 33,360 شهيدا منذ السابع من تشرين الأول الماضي    |     اليونيسف: غزة على حافة الدمار والمجاعة    |     أردوغان: سنواصل دعمنا للشعب الفلسطيني حتى إقامة دولته المستقلة    |     قوات الاحتلال تقتحم طولكرم وتعتقل سبعة مواطنين    |     غوتيرش ينتقد منع الصحفيين الدوليين من دخول غزة و"رابطة الصحافة الأجنبية" تعرب عن مخاوفها    |     رئيس الوزراء يلتقي وزير الخارجية السعودي في مكة    |     الرئيس المصري يستقبل رئيس الوزراء محمد مصطفى    |     الجمعية العامة للأمم المتحدة تعقد جلسة حول الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية    |     مجلس الأمن يقر بالإجماع إحالة إعادة النظر في طلب فلسطين للعضوية الكاملة إلى لجنة العضوية    |     الاحتلال يمنع رفع الأذان وأداء صلوات المغرب والعشاء والتراويح في حوسان    |     الزعيم الروحي للطائفة المعروفية الدرزية الشيخ موفق طريف يهاتف الرئيس لمناسبة حلول عيد الفطر    |     الرئيس يتلقى اتصالا من الكاهن الأكبر للطائفة السامرية لمناسبة حلول عيد الفطر    |     "القوى" تؤكد أهمية تضافر الجهود لوقف حرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء شعبنا    |     نادي الأسير: الاحتلال يحتجز جثامين 26 شهيدا من الحركة الأسيرة    |     ملك الأردن والرئيسان المصري والفرنسي: يجب وقف إطلاق النار في غزة الآن    |     "العدل الدولية" تبدأ جلسات الاستماع بشأن طلب التدابير المؤقتة الذي قدمته نيكاراغوا بحق ألمانيا    |     "الأغذية العالمي" يجدد التحذير من مجاعة شمال غزة    |     "الخارجية" تدين جريمة اعدام الأسير دقة وتطالب المنظمات الدولية بتوفير الحماية لشعبنا    |     الاحتلال يعتقل 45 مواطنا من الضفة    |     شهداء ومصابون في سلسلة غارات اسرائيلية على مناطق وسط وجنوب قطاع غزة
الصحافة الفلسطينية » هل هناك حل غير المصالحة؟
هل هناك حل غير المصالحة؟

 

 

هل هناك حل غير المصالحة؟

جريدة الحياة الجديدة

 

بقلم يحي رباح 29-2-2012

أصبح مؤكدا ومعروفا للجميع دون استثناء خلال الخمس سنوات الأخيرة، أن سياسة إسرائيل تقوم في عملها الأول على تجميد الفعل الفلسطيني إلى أدنى مستوى، وإبقاء الفلسطينيين في حالة تدهور مستمر، وإشغال الفلسطينيين حتى النخاع الشوكي بتداعيات صراعهم الداخلي المفتوح، من خلال الإبقاء على الانقسام، وتغذية التمسك به من قبل الأطراف الفلسطينية التي صنعته، ووقعت في حفرته السحيقة بعيون مفتوحة، وإبقاء قطاع غزة يعاني تحت هذه الحالة الشاذة التي خطط لها الإسرائيليون بإبداع، لا يموت ولا يحيا، خاضع بالمطلق للاحتلال ولكن دون مظاهر الاحتلال التقليدية « جيش وحواجز ومستوطنين»، وإبقاء قطاع غزة تحت بند الطوارئ، الوضع المعقد الذي لا يمكن القياس عليه، غارق في مشاكله المتفاقمة على كافة الأصعدة ابتداء من الفقر المدقع، والبطالة المتوحشة، وفقدان القدرة على الانتاج وانتهاء بمشاكل الكهرباء والتمزق الاجتماعي إلى حد العداوة واليأس !!! مشاكل لا يمكن حلها مطلقا مع استمرار وضعها الحالي، بل إن محاولات حل هذه المشاكل مع بقاء الانقسام تزيد هذه المشاكل تفاقما ومأساوية !!!

أما العمود الثاني في السياسة الإسرائيلية فهو التفرغ بالكامل للضفة الغربية والقدس بخصوصياتها المحورية في القضية الفلسطينية، وذلك من خلال إجهاض فكرة الدولة المستقلة في المكان الذي يملك مقومات « المساحة المعقولة والسكان»، وذلك عبر الاندفاع غير المسبوق لتنفيذ برامج الاستيطان والتهويد، ورسم ملامح الضفة لتكون في صورتها النهائية مجرد معازل محاصرة لا تمتلك مقومات وحدة الإقليم المطلوبة لقيام الدولة الفلسطينية .

الجهد السياسي الإسرائيلي انصب في سنوات الانقسام الخمس على إفشال أي جهد فلسطيني أو عربي أو دولي لإنهاء هذا الانقسام !!! وقد استخدم الإسرائيليون صيغا وأساليب متعددة لجعل المصالحة تبدو ضربا من المستحيل، وذلك من خلال إغراق أدوات الانقسام الفلسطينية في قضايا جديدة بديلة يتم الحديث عنها والانشغال بها ليل نهار، من بينها الحصار الذي فرضه الإسرائيليون على قطاع غزة بنموذج خاص وخارق، حصار ذو أبعاد سياسية بعيدة المدى ولكن بوسائل ناعمة، مثل الإيحاء لأدوات الانقسام بأنه تمكن إزالة هذا الحصار والركض وراء أوهام في هذا الاتجاه مثل حركات التضامن وقوافل السفن والقوافل البرية التي استولت على العقول لسنوات خمس، موحية بأن الحصار على وشك الزوال، وإذا بالحصار يتشرعن عند صيغة يشارك فيها العالم أجمع تحت عنوان تأمين الاحتياجات الإنسانية .

و من بين هذه الصيغ والوسائل تحقيق متطلبات إسرائيلية مهمة جدا، كانت تتطلب في الماضي تكاليف باهظة، ولم يعد يجري الحديث عنها الآن بصوت مرتفع، مثل الحزام الأمني الذي يحتل قرابة 25% من مساحة القطاع ولكن دون اي تكاليف على الاطلاق، فهو في عهدة وحدات الجيش الإسرائيلي المحلية المحيطة بقطاع غزة !!!

و هناك أيضا النموذج الثالث وهو التهدئة المفروضة على قطاع غزة دون أي قدر من الالتزام الإسرائيلي !!! وكذلك طبيعة العلاقة الملتبسة بين القطاع وإسرائيل، فما زال الاتصال اليومي موجودا ممثلا بحركة البضائع والوقود وامدادات الماء والكهرباء وحركة بعض الأفراد لأغراض إنسانية وإدارية، عبر آليات التنسيق التي كانت قائمة قبل الانسحاب الإسرائيلي، وكل ذلك يجري تحت عناوين صاخبة وكأن قطاع غزة في حالة حرب طاحنة يوميا مع إسرائيل.

وفي سياق هذه الوسائل، هناك الأكثر عنفا من الناحية الشكلية، مثل ملاحقة المطلوبين وعمليات الاغتيال المتكررة، والحفاظ على لعبة الانفاق على الحدود مع مصر، فهذه الانفاق تقع تحت المراقبة اليومية الكاملة ولكن بقاءها يخدم إسرائيل في توجيه الاتهامات الامنية الكبرى لقطاع غزة بتهريب الأسلحة وغيرها فالكل يعرف أن إسرائيل لو لم تكن مستفيدة من لعبة الانفاق هذه لدمرتها في لحظات مثلما حدث ودمرت البنية التحتية وآلاف المساكن والمزارع والمصانع والورش في حربها ضد القطاع قبل ثلاث سنوات، عندما تطلب الأمر ذلك !!!

ولكن الصيغ والوسائل والأساليب التي تتعامل بها إسرائيل مع قطاع غزة لإلحاق الأذى بالمطلق بالقضية الفلسطينية، لا يقتصر على ما ذكرناه فقط، فقد تحول قطاع غزة في سنوات الانقسام الخمس إلى قوة سياسية سلبية كبيرة أمام الانقسام الفلسطيني، ذلك أن الانقسام يخلق دينامياته بنفسه، ويراكم تحولات مشوهة كثيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي والثقافي، وبصورة أدق فإن إسرائيل تستخدم قطاع غزة في وضعه الحالي تحت الانقسام، كورقة اعتراض « فيتو» على أي توجه فلسطيني لصالح بلورة الدولة الفلسطينية نفسها، والحق بإقامة هذه الدولة، لأن الاعتراض « الفيتو» الإسرائيلي ينطلق من حالة قطاع غزة الراهنة مطلقا الأسئلة نفسها، دولة أي ؟؟؟ ودولة لمن ؟؟؟ ومن هو الضامن لالتزامات هذه الدولة ؟؟؟

و أخر المحطات التي وصل إليها هذا الوضع الشاذ الذي صنعه الانقسام في قطاع غزة، أن الأسئلة لم تعد مطروحة فقط على الشرعية الفلسطينية بوجه عام، بل أصبح السؤال: هل القيادة الشرعية لحماس نفسها تمثل قطاع غزة !!! وبهذا المعنى فإن قطاع غزة بصورته الراهنة، أصبح غارزا في وحل الانقسام بصيغته الإسرائيلية، وكل محاولة للخروج من بحيرة الوحل هذه تزيد الأمور تعقيدا وتدهورا !!! ولقد رأينا كيف أصيب اتفاق مكة في ربيع 2007 بضربة قاتلة من خلال الانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية والانقلاب على الشرعية الفلسطينية، وكيف يتعرض اتفاق القاهرة واتفاق الدوحة إلى ضربة قوية ليس فقط من خلال الانقلاب على الشرعية الوطنية الفلسطينية، وإنما من خلال التهديد بانقلاب ضد شرعية حماس التنظيمية نفسها .

هذا يؤكد أن الوضع الشاذ تحت عنوان الانقسام لا يمكن أن ينتج عنه أي شيء طبيعي، وربما أن الوضع الذي وصلنا إليه الآن لم يكن يخطر على بال الذين تورطوا في الانقسام في أيامهم الأولى !!! وهذا يحدث لنا كما حدث لكثيرين غيرنا في المنطقة والعالم، فما أكثر القوى السياسية التي فتحت الباب بنوع من النزق والاستهتار وقلة الخبرة وإغراء الأوهام، إلى هبوب الرياح، فأخذتها الرياح العاصفة إلى مسافات بعيدة وموحشة وخطرة وفاشلة لم تكن تفكر فيها أو تخطر على بالها .

خلاصة ذلك كله, فإنه على مستوى حياتنا الفلسطينية من كل جوانبها الوطنية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا بديل عن المصالحة، ولا انقاذ من التدهور والتآكل المستمرين إلا بالمصالحة، لأننا دون المصالحة، ومع استمرار الانقسام ودينمايات الانقسام المستقلة حتى المتورطين فيه !!! ومع استمرار الاستخدام والاستغلال الإسرائيلي البشع لواقع الانقسام، نكون قد أوقعنا أنفسنا تحت حجر الطاحون الذي يسحقنا لمصلحة اعدائنا بالمجان !!! وهذه هي الحقيقة المرة التي لم يعد يقدر على انكارها أحد .

 

2012-02-29
اطبع ارسل