حياتنا - ذكرى الحجر
الحياة الجديدة9-12-2010
حافظ البرغوثي
في مثل هذا اليوم عام 1987 خرج اهالي مخيم جباليا في تظاهرة احتجاجية على حادث مقتل عدد من العمال في حادث تصادم مع شاحنة اسرائيلية ظنه الناس انه متعمد.. واستشهد الطالب حاتم السيسي ثم انتقلت التظاهرات في اليوم التالي الى نابلس ثم مخيم بلاطة حيث سقط اربعة شهداء.
كنت في ذلك اليوم في القدس اثناء اعداد كتاب عن 20 سنة على الاحتلال التقيت صلاح زحيكة الذي كان يعمل في صحيفة الشعب، ثم عرجت الى حاتم عبد القادر الذي كان يعمل في الفجر، وفي مجلة عبير مع جبريل الرجوب، كان الرجوب يتناول طعام الافطار واعرب عن تبرمه من الوضع وابدى رغبته في اقامة حظيرة للاغنام في دورا وشهدت القدس يومها اشتباكات مع شرطة الاحتلال وظهرت صورة زحيكة في الصحافة الاسرائيلية واقفا امام متجر مغلق وقد غطى الغاز المسيل للدموع المكان.. بعد ايام قليلة اعتقلت قوات الاحتلال الرجوب مع آخرين وقررت لاحقا ابعادهم الى الخارج.
كانت القدس تعيش آنذاك تحت وطأة سياسة القبضة الحديدية التي طبقها الاحتلال بعد حراك شعبي متواصل قاده فيصل الحسيني الذي كان قيد الاعتقال عندما اندلعت الانتفاضة.
كانت بدايات الانتفاضة مرحلة مهمة ملأى بالدروس النضالية ابرزت معدن شعبنا في تكافله وتوحده وتواصله واصراره على انهاء الاحتلال واقامة دولته المستقلة.. لكن لعبت عناصر عدة في شرذمة الانتفاضة خاصة الصراع الفصائلي على تفكيك الوحدة الشعبية رغم انضمام تيار المجتمع الاسلامي لاحقاً كما كان يسمى في غزة الى الانتفاضة لكن بطريقة منفصلة كما لمسته في غزة عند زيارتي لغزة بعد اسبوعين من اندلاع الانتفاضة. إذ كان تيار الاخوان المسلمين آنذاك في صراع مع منظمة التحرير وبدأ يطرح نفسه بديلاً لها او موازيا لها وحدثت اشتباكات بين طلبة التيارين في الجامعات حيث كانت جامعة النجاح مغلقة عند اندلاع الانتفاضة بعد اشتباكات بين طلبة التيار الاخواني وتيار منظمة التحرير.
حاولت القيادة في الخارج توحيد الفصائل داخلياً وحاول الشهيد ابو جهاد مد جسور مع تيار الاخوان المسلمين لمصلحة الانتفاضة، واستنتج ابو عمار أن الانتفاضة يجب أن تعلن عن برنامج سياسي محدد فكان اعلان وثيقة الاستقلال في الجزائر. الا ان الظروف الدولية والعربية لم تدعم ذلك وجاءت احداث احتلال الكويت لاحقا لتسد الأفق السياسي الفلسطيني.
دروس الانتفاضة الاولى لم تتم الاستعانة بها في الانتفاضة الثانية رغم اشارتنا اكثر من مرة الى ضرورة الأخذ بها منذ البدء حتى لا تتحول الى فوضى وفلتان وتخرج عن السيطرة «راجع مقالاتنا في الشهور الاولى للانتفاضة الثانية» وهذا كله يؤخر انضاج العمل السياسي لأن اتفاق اوسلو النيئ جاء نتيجة حصار منظمة التحرير وصار بمثابة طوق نجاة لها حتى لا تندثر وترحل من تونس بعد افلاسها مادياً. وأنجبت المنظمة بعد اوسلو السلطة الوطنية التي تمر الآن في مرحلة مشابهة لما مرت به منظمة التحرير حيث الانسداد السياسي وحيث الحصار المالي يشتد عليها وتتعاظم الاعباء عليها بما فيها اعباء تمويل الانقلاب في غزة. وهذا كله لم يجبرها حتى الآن على القبول باتفاق نيئ جديد بأي ثمن ولكن هل ستصمد السلطة طويلا امام هذه الضغوط لانقاذ نفسها أم أنها ستقلب الطاولة على رؤوس الجميع؟