التاريخ : الأحد 28-04-2024

الهلال الأحمر: لا توجد بيئة صالحة للحياة في قطاع غزة ونحذّر من انتشار كبير للأمراض المعدية    |     مقررة أممية: يجب معاقبة إسرائيل ومنع تصدير السلاح إليها    |     الأردن يدين اقتحام المستعمرين "للأقصى"    |     فتوح: قمع الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية يكشف زيف وكذب إدارة بايدن    |     رئيس بوليفيا يطالب باتخاذ إجراءات صارمة لوقف حرب الإبادة في قطاع غزة    |     "آكشن إيد" الدولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء والفتيات بعد 200 يوم من الأزمة الانسانية بسبب العدوان    |     مع دخول العدوان يومه الـ202: شهداء وجرحى في قصف الاحتلال المتواصل على قطاع غزة    |     "فتح" تهنئ الجبهة الديمقراطية بنجاح مؤتمرها الثامن وبانتخاب فهد سليمان أمينا عاما    |     رئيس الوزراء ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار يستكملان إجراءات الاستلام والتسليم    |     "التعاون الإسلامي" ترحب باعتراف جمهورية جامايكا بدولة فلسطين    |     مصطفى يؤكد ضرورة عقد مؤتمر للمانحين لدعم الحكومة الفلسطينية    |     أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية أي اقتحام لرفح وتداعياته الخطيرة    |     الجامعة العربية تدعو مجلس الأمن لاتخاذ قرار تحت الفصل السابع يضمن امتثال إسرائيل لوقف إطلاق النار في    |     البرلمان العربي: قرار جامايكا الاعتراف بدولة فلسطين "خطوة في الإتجاه الصحيح"    |     ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 34262 والاصابات إلى 77229 منذ بدء العدوان    |     الرئاسة ترحب بالتقرير الأممي الذي أكد إسرائيل لم تقدم أية أدلة تدعم مزاعمها حول "أونروا"    |     ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع "الأونروا" في غزة    |     جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بقطاع غزة    |     برنامج الأغذية العالمي: نصف سكان قطاع غزة يعانون من الجوع    |     مع دخول العدوان يومه الـ201: الاحتلال يكثف غاراته على قطاع غزة مخلّفا شهداء وجرحى    |     جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين    |     مئات المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى    |     الاحتلال يغلق الحرم الإبراهيمي بحجة الأعياد اليهودية    |     أبو الغيط يرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول "الأونروا"
أراء » صبحة ومزيونة....عودوا أيها الأبناء!!
صبحة ومزيونة....عودوا أيها الأبناء!!

صبحة ومزيونة....عودوا أيها الأبناء!!

القدس/26 يونيو 2014

 

عيسى قراقع

 

"عودوا أيها الأبناء"، شعار الحملة العسكرية المحمومة والواسعة التي يشنها الجيش الإسرائيلي في كافة محافظات الوطن بحثا عن ثلاثة مستوطنين مفقودين، يعتقلون ويدمرون ويقتلون وينهبون وينتشرون أرضا وسماءً ولهبا، وتطفح السجون و المعسكرات بالصغار والنساء والنواب والمعاقين والجرحى، ولا ترى حكومة إسرائيل في شهوتها المسلحة امرأتين هما: مزيونة وصبحة جسرا يمتد بين بيت لحم والناصرة.

صبحة ومزيونة أمان مسنتان طوى الدهر من عمريهما الكثير، صديقتان حميمتان لمنظمة الصليب الأحمر الدولي كونهما ملزمتين باثبات أمومتهن كل مرة تتقدمان فيها لطلب تصاريح الزيارة، وتسافران مرتين شهريا عبر باصات الصليب الأحمر لزيارة ولديهما المحكومين بالمؤبد ناصر ومحمود وذلك منذ أكثر من 26 عاما.

العلاقة مع الصليب الأحمر والفجر الغامض والمسافات الطويلة المدببة بالحواجز والمتراصة بالمشاق والتعب، هي علاقة الضحية بالاحتلال وجغرافيته الأمنية وقوانينه المحشوة بتفاصيل المسدسات وإرهاب الغرباء، وبذلك اللغز الذي يجعل الرحلة الطويلة إلى السجن تقنعك بثالوث التحالف بين المستوطنين والجنود ومحاكم الاحتلال.

رأيتهما تحملان أكياسا من النايلون فيها ملابس وبعض الحلوى لأولادهن، وقناني مياه لتخفيف وطأة الحر والعطش في هذه الرحلة الساخنة المكتظة بالنعاس والغضب واللا يقين والقدرات الخارقة على تحمل نظرات تلك المجندة التي تبحث عن معدن يرن تحت ثياب الفلاحات، مستمتعة بتفتيش المنكوبات الملغومات بالحنين والذكريات والحسرات ورائحة الأسئلة.

تسأل المجندة الحاجة صبحة: هناك صوت يدق في صدرك، فأجابتها: إنه قلبي، تراجعت المجندة قليلا وهي تهمس: يبدو قلبك سينفجر فانزعيه الآن حتى لا يمتلئ الجسد بالطريق والمكان بالذاكرة.

الأسيران محمود وناصر ابو سرور لم يفرج عنهما في الدفعة الرابعة التي كانت مقررة يوم 29/3/2014 بعد أن تنصلت إسرائيل من الاتفاق وتلاعبت به وفرضت شروطا للابتزاز والمساومة، ولم يحتفل مخيم عايدة مكان سكنهما بلاجئيه وأزقته بعودتهما كبقية الأسرى، كان وجع في ليل المخيم ومفتاح قديم يخترق الخاصرة.

عودوا أيها الأبناء، اليمين الإسرائيلي يحتفل بجنونه، اعتقالات، تجنيد، طائرات، مخابرات، سحق، إغراق، تحطيم، ولم يعرف هذا اليمين أن مستوطنة عصيون، حيث فقد المستوطنون الثلاثة أقيمت على أراضي الخضر وبيت فجار وبيت جالا، وأن محلات رامي ليفي أقيمت مكان دوالي العنب والفقوس الفلسطيني وأعشاش الطيور.

لم يعرف صناع الكيبوتسات والمستوطنات غير الشرعية ورجال الكارثة أن مزيونة وصبحة عاشتا طويلًا على القمح والزعتر والزيت، ومشتا كثيرا على هذا الطريق: هناك بئر وتفاحة، وقميص مبقع بالدم والتوت.

وتقول مزيونة وهي تتابع اقتحام الجنود للمنازل ومطاردة الأولاد بعد منتصف الليل: لهم أبناء ولنا أبناء، لهم أشواق ولنا أشواق، يخافون ونخاف، يموتون ونموت، ولكنهم لم يموتوا أكثر منا، ولم ينتظروا ثلاثين عاما حتى يعود الولد من السجن شبحا في الحياة أو جثة في السماء.

عودوا أيها الأبناء لتروا أبراجا عسكرية تقف فوق نومنا، ورصاصا يفجر النوافذ، وتروا مستوطنين يعربدون ويلعنون الشجر والقهوة والتراب الأحمر والمشمش البلدي وكل ما يدل علينا، عودوا من سجون هداريم وعسقلان ونفحة مكتملين قليلا ملحا وماءً وهواء حتى تشيعوا أمهاتكم بالورد والبكاء والحناء إن كان في ذلك من عزاء.

عودوا أيها الأبناء، أيها المخطوفون في عتمة حديدية، المدعوسون بالبساطير والمحشورون في ألف زنزانة ومعسكر تمتد من النقب حتى شاطئ تل أبيب، واستمعوا إلى ذلك الحاخام الذي يطالب بإعدامكم، وذلك الضابط الذي يتسلى باستدراج أطفال الحجارة لقنصهم، وذلك الجندي الذي يفتش غرفة النوم وعلب البهارات وصفحات الكتب ويطلق النار على الكلمات و الفجر.

عودوا أيها الأبناء، أجساد المضربين الإداريين تذوب في الملح والماء والقيد المربوط برائحة الموت، ولا زالت نصوص اتفاقيات جنيف الرابعة ساكنة، وقد يحركها جوعكم الطويل ونزيفكم وذاكرتكم المشتعلة.

عودوا أيها الأبناء هو صوت صبحة ومزيونة بعد أن رفضت سلطات الاحتلال إعطاءهما تصريحي زيارة معلنة أنها ستطبق قوانين شاليط على الاسرى، لا زيارات، لا صحف، لا كنتين، لا محامين، لا ماء، لا هواء، لا دواء، لا محكمة ولا لائحة اتهام، لا قانون، لا يوجد سوى المؤبد والهستيريا المسلحة والقيود والنسيان.

وتقولان: لقد اختطفوا ضرار ابو سيسي من أوكرانيا وعبد الكريم عبيد ومصطفى ديراني من لبنان، واختطفوا أطفالا قاصرين بعد منتصف الليل ولم تثر أي ضجة من العالم على هذه القرصنة الدولية، وصرخت مزيونة بحدة: واغتصبوا الشيخ مصطفى ديراني في التحقيق واعتقلوه رهائن سنوات طويلة، لماذا لم يكتب احد عن الفضيحة والجريمة، بكت مزيونة وهي تنظر إلى جثمان ميسرة ابو حمدية يعود من السجن صامتا مشبعا بالاستغاثة والسرطان والمنفى.

عودوا أيها الأبناء، فاليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب يحترق في حزيران كل عام، وجثمان الأسير عرفات جرادات مسجى أمام صمت محكمة العدل الدولية، لازال القاضي يفتش عن أسباب الموت، بينما القاتل يتوارى خلف الظلام.

عودوا أيها الأبناء، حكاية مزيونة وصبحة، امرأتان من بقايا النكبة وكرت الإعاشة، الأولى: لا زالت تمشي وتنقح اللغة في المكان الضيق والرواية، أما الثانية فقد أصيبت بجلطة دماغية وسكتت تبحلق بعينيها إلى ذلك الحلم.

عودوا أيها الأبناء:

لا وقت أمامي

لا وقت ورائي

حلمي يجلس على ركبتي

ابن إرادتي

يفيض بحليب السحاب

 

2014-06-26
اطبع ارسل